أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

التغذية الراجعة Feedback فيدباك كأداة لتقييم الأداء

بقلم : نسيم الصمادي 2018-06-06

تلقيت سؤالاً أرسله عميل ذكي من السعودية يطلب المزيدَ من التوضيح حول مفهومي الإفادة الرافدة والتغذية الراجعة، ولماذا تُركز الإفادة الأولى على الأهداف المتغيرة وتكسر القوانين السائدة لصالح الابتكار، وكيف تلعب التغذية الراجعة نفس الدور. لإجابة السؤال أستشهد بحالة واقعية عايشتها العام الماضي.
كان راضي يعمل في شركة استشارات متعددة الجنسيات، ويحمل شهادة جامعية عُليا وأخرى مهنية من أمريكا، والمفروض نظرياً أن مثل هذه المؤسسات تعرف ما تفعل، لأنها تُقدم خدمات استشارية لعملاء كبار بأسعار فلكية. إلا أنها وكغيرها من المؤسسات اللاهثة خلف الأرباح ومؤشرات الأداء التي تقاس بالأرقام فقط، تظن أنها لا تملك الوقت الكافي لتتوقف، وتُعيد النظر في المُسلَّمات التي تفرضُها لوائحُها الداخلية. والتوقف وإعادة النظر يحتاج إلى التغذية الراجعة بشكل منتظم.
في موسم تقييم الأداء الذي يجب أن يتم في موعد محدد كل عام، استُدعِيَ راضي إلى مكتب مديره المباشر الذي أخبره بأن الاختيار وقع عليه من بين أعضاء الفريق لتقييم المدير من خلال عملية التغذية الراجعة Feedback، لا لسبب إلا لأن المدير أيضاً عربي مثل راضي، بينما بقية أعضاء الفريق أجانب، لكن راضي اعتذر بصراحة وقال لمديره: "أرجو أن تختار زميلاً غيري لتقييمك وإعطائك التغذية الراجعة أو الفيدباك المطلوب". وعندما أصرَّ المدير على معرفة السبب، أخبره راضي بأنه ملتزم أخلاقياً وسيقول الحقيقة بكل تفاصيلها بغض النظر عن النتائج، وكانت هذه الرسالة أو التغذية الراجعة الصريحة تعني أنك لست مديراً كفؤاً، ومن مصلحتك أن تختار موظفاً غيري يمكنه مجاملتك عند كتابة أي فيدباك.
في نهاية ذات العام قيَّم المدير من خلال عملية التغذية الراجعة النازلة "راضياً" وأعطاه أدنى درجة مقبولة وممكنة، وفي العام التالي انخفضَ عددُ ساعات الاستشارات التي نفَّذها راضي من 90٪ إلى 30٪، وفي العام الثالث انخفضت إنتاجيتُه وفقد ولاءه لمؤسسته، ففصله مدير مديره، أما المدير فتمت ترقيته استناداً إلى تقييمات ضاربي الطبول على شاكلته، رغم أنه مدير غير أخلاقي وغير عادل وغير مُنتج، ورغم أن كل فيدباك و تغذية راجعة كانت يقدمها كانت مضللة.
المشكلة الحقيقية هي أن مدير راضي لم يكن يعرفه جيداً ولم يكتشف قدراته أو يحاوره بما يمكنهما إبداعه. راضي موظف تحليلي من طراز فريد، لا يُحب الجدل والصراعات، وتعتبر قيم العدالة والمساواة جزءاً من تكوينه المعرفي والبيولوجي، فهو يعامل الغفير والمدير والوزير بنفس المقياس، فلا يُجامل ولا يَتحامَل، وهو أيضا قصْدي ومتأنٍّ ويزن قراراته ويفصلها بمقياس الماس، ومن ثم فإن الظلم الذي لحق به طالَ مؤسسته وعملاءَه، وحرمهم من خبرته ومعرفته وولائه، وكل هذا بسبب التغذية الراجعة و التغذية العكسية بمعنى أصح، وبسبب قيم التقييم الفاسدة.
هذه هي نُظُم تقييم الأداء التي تأتينا بـ التغذية الراجعة Feedback كل عام، وفي موسم مُوَحَّد وثابت وكأنه موسم جني محصول زراعي لا نستطيع تغيير زمانه ومكانه، هذا فضلاً عن تقزيم الموظف وتشويه هويته ووسمه برقم فردي على مقياس من 1 إلى 5، وهو مقياس يُعتبر من يحصل فيه على 4 من 5، موظفاً عادياً وغير فعال، ولهذا ينحو المديرون إلى منح موظفيهم العلامة الكاملة، إلا ذوي الحظ السيئ الذين وُضِعوا في الوظيفة الخطأ، أو عملوا مع المدير الخطأ، كما هي حالة راضي بعد معركة التغذية الراجعة ، والتي لا تعتبر تسميتها التغذية المعاكسة خطأ غير مقصود.
فما الذي يجب تغييره؟
لا بد من تكسير اللوائح والتمتع بحرية القياس وتغيير دلالات القيم العالية التي درجنا - بسوء فهم أو بسوء قصد - على منحها لكل من هبَّ ودب، سواء عبر التغذية الراجعة 380 درجة أو التغذية الراجعه التقليدية.
أولاً، يجب التوقف عن تحويل كل موظف إلى رقم، أو نقطة على منحنى يأخذ شكلاً نمطياً ثابتاً منذ ابتداع فكرة المتوسطات في القرن التاسع عشر، حيث تَقع 10٪ من العينات في القمة، و10٪ في القاع، وتبقى 80٪ تمثل الأغلبية العادية (الصامتة) والمصمتة بسبب فيدباك لا يقدم ولا يؤخر. علماً بأن "فريدريك تايلور" كان قد اعتمد كلياً على معادلات المتوسطات أثناء تطبيقه لما أسماه "نظرية الإدارة العلمية" التي أثبتت فشلها قبل موته. أول تغيير يفرضه عصرُ البيانات الكبرى هو التخلص من قِيَم المتوسطات وسخافة المُعدَّلات ومن التغذية الراجعة الروتينية والـ فيدباك الممل، وتقييم كل موظف بموهبته، من منطلق ما يُميزه لا ما يُعجزه.
هناك مواهب وقدرات لا يمكن قياسها أو إحساسها إلا إذا وضعناها في البيئة المناسبة. هذه الإمكانات هي كوامن (Potentials) أو إمكانات كامنة كما يسميها آدم جرانت في كتاب الإمكانات الكامنة   Hidden Potential pdfعلم اكتشاف القدرات وتحقيق الإنجازات، وهذه الإمكانات الكامنة لا يمكن اكتشافُها بسؤال الموظف عما أنجزه في عام مضى، بل عما يمكن أن يُنجزه منفرداً أو مع فريقه غداً إذا ما تم تمتينه وتمكينه ومنحه الفرصة لابتكار المستقبل بدلاً من الالتزام الحرفي بنموذج التغذية الراجعة وهو فيدباك ممل كما قلنا.
نحن في عصر يتغير فيه العالم لحظياً، وما زلنا نتواصل ونجتر الذكريات ونستعيد الهفوات، ونقيّم المستقبل بإخفاقات الماضي. من المستحيل في عصر التحولات اللحظية والقرارات الضوئية، أن يتم تقديرُنا على ضوء أخطائنا فقط، وكأن ما كنا اتفقنا على قياسه قبل عام، هو ذاته ما يجب أن نقيسه اليوم وغداً وفي كل مستقبل لأن التغذية الراجعة عمل إجباري لا تقييم وتقويم اختياري! بينما نحن في الحقيقة لا نقيس إلا ما يسهل قياسه، على حساب ما يجب قياسه، رغم علمنا المسبق بأن الموظفين يكيفون أداءهم للتوافق مع المقاييس، لا لاستثمار الكَوَامِن والمُمكِنات.
هذا هو ما تقدمه الإفادة الرافدة وهي البديل المستقبلي لـ التغذية الراجعة التي يمكن تسميتها التغذية الرافدة أيضاً.
التَحَاوُر بلغة المستقبل، والاحتفاء بالمواهب ونقاط القوة، لا بالرُتَب والمكافآت والأخطاء التي لم نرتكبها لأننا لم نخاطر ولم نبتكر، خوفاً من ألا نُصطفى ضمن فئة، أو قمة العشرة بالمائة الأولى. لأن التغذية الراجعة أو التغذية العكسيه الإيجابية تستحق التقدير والشكر كما يؤكد ملخص كتاب التغذية الراجعة علم وفن : كيف نتقبل تقييم الآخرين بصدر رحبpdf  للمؤلفين دوجلاس ستون و شيلا هين  Thanks for the Feedback: The Science and Art of Receiving Feedback Well, by Douglas Stone and Shela Heen.
تستند الإفادة الرافدة  وهي الفعل الاستشرافي والمستقبلي لـ التغذية الراجعة إلى منظور استثنائي جريء يُقدر كل العاملين بمقياس خطي لا يعترف بالفوارق الطبقية، فكل موظف يتمتع بكوامن وإمكانات إيجابية يستطيع وضعها موضع التطبيق عندما يؤمن بدوره في صياغة المستقبل، وإبداع ما يتجاوز حدود الممكن، بشرط أن يكون الموظف المناسب مُكلَّفاً بالمهمات المناسبة، وأن يتلقى التغذية الراجعة عبر فيدباك عادل ومناسب ليتحول ما يسمى Feedback إلى Feed Forward ، أي تتحول التغذية الراجعة إلى تغذية مستقبلية رافدة.
اقرأ المزيد من من ملخصات الكتب والمقالات والاستشارات على موقع وتطبيق منصة إدارة.كوم Edara.com :
 
بقلم: نسيم الصمادي

بقلم : نسيم الصمادي