أجلت إعلان هذا الخبر -الذي سيُعلن مرةً ثانية فجر يوم 4 نوفمبر 2020- حتى سمعت خطاب "دونالد ترامب" يوم الخميس 27 أغسطس 2020. في هذا الخطاب حدث خطبٌ جلل لم يلاحظه بعض المراقبين، حيث هزَمَ "ترامب" نفسه بنتيجة 8 مقابل 2، كما انهزم المُرعب برشلونة أمام الألمان.
مصدر ثقتي في قراءتي الجريئة لنتيجة الانتخابات قبل شهرين من تاريخها هو اعتمادي على علم النفس، وعلم النفس الإيجابي تحديداً، أكثر من علم السياسة. ففي كتابه "مفاتيح الدخول للبيت الأبيض" يُحدد الدكتور "ألان ليتمان" أستاذ التاريخ الحديث في الجامعة الأمريكية بواشنطن، 13 مفتاحاً للفوز. وعلى الرئيس الذي يعادُ انتخابُه ألا يفقد أكثر من 6 منها ليضمن النجاح. يرى "ليتمان" أن "ترامب" قد فقد سبعة مفاتيح فعلاً، ما يعني أن هزيمة ترامب باتت مؤكدة. أعدت النظر في مفاتيح أستاذ التاريخ، وتأكدت أن "ترامب" خسر مفتاح الكاريزما أيضاً. لأن تعريف السياسيين والمؤرخين يختلف جذرياً عن تعريف خبراء القيادة والفلاسفة وعلماء النفس. لمن لا يعرف ما هي الكاريزما حق المعرفة أقول: "اقرأ أواسمع كتاب – من جيد إلى رائع" لـ "جيم كولنز".
أسباب كثيرة أسقطت"دونالد ترامب"، وليس من بينها السبب الرئيس الذي أعوِّل عليه، وهو:
في يوم 3 نوفمبر يكون "كوفيد-19" قد أودى بحياة ربع مليون أمريكي تقريباً، وهو الرقم الأعلى في العالم.
كان "ترامب" يملك مفتاح الاقتصاد، وخطفه منه عفريت "كورونا" ونتيجة لذلك، تم خطف انتخابات ترامب أيضاً.
خلال الأيام الأربعة التي شهدت انعقاد مؤتمر الحزب الترامبي (لم يعد جمهورياً) واجهَت أمريكا أربع كوارث أدت إلى هزيمة ترامب: شُرطي أبيض يطلق النار على رجل أسود، ومراهق يناصر "ترامب" يقتل متظاهرين ضد التمييز العنصري، وحرائق غير مسبوقة في كاليفورنيا، وإعصار يجتاح تكساس ولويزيانا، وهي ولايات ترامبية تاريخياً، بينما كان الرئيس يخطب بأكثر من 1000 مناصر، من دون كمامات ولا تباعد اجتماعي.
تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم "بايدن" بـ 10 نقاط في الولايات (الزرقاء) الديموقراطية و 5 نقاط في الولايات (الرمادية) المتأرجحة، ونقطة واحدة في بعض الولايات (الحمراء) الجمهورية.
تراجَع الرضا عن "ترامب" إلى نسب تتفاوت بين 35%و 49% حتى على المؤشرات المحافظة وهو ما يعني فشل انتخابات ترامب المقبلة.
في عام 2016 جَزَمتُ بفوز "ترامب" عندما كشفَت المخابرات الأمريكية فضيحة إيميلات "كلنتون" قبل الانتخابات بعشرة أيام. وقبل عشرة أيام أيضاً فضحت سلطات التحقيق الأمريكية مهندس حملة "ترامب" السابقة "ستيف بانون" ليصل عدد الفاسدين من زمرة "ترامب" إلى ستة، منهم من دخل السجن ومنهم من ينتظر.
ترشيح "بايدن" لـ "كاملة هاريس" كنائبة للرئيس قلَبَ استراتيجية "ترامب" رأساً على عقب. فهي امرأة ملونة وقانونية فذة وقائدة مُلهمة ومحاورة بارعة وذات ابتسامة ساحرة، وزوجها يهودي. وكل من يعرف الست "هاريس" يعرف أيضاً أنها إن لم تأكل نائب "ترامب" "مايك بنس" نيَّاً، فستشويه شيَّاً، مما يعني أن فترة ترامب انتهت بلا رجعة.
في تلميعهم لصورته المهزوزة، لم تقل زوجة "ترامب" وأشياعُه أكثر مِن: "هو في الظاهر شرير لكنه في جوهره طيب؛ يكذب لكنه صادق، لا يُنصت لكنه يسمع، أناني لكنه يُعطي، مخلِص لكنه يخون، متغطرس لكنه تلقائي، يحارب الصين وينسحب من المعركة، يعاقب روسيا ويرتعش أمام بوتن، الخ ..."
"دونالد ترامب" يجب أن يخسر الانتخابات كما خسرها "آل جور" و "هيلاري كلينتون"؛ ليس لأن "بايدن" سيفوز، بل لأن "ترامب" ينهزم. في الانتخابات السياسية والامتحانات الأكاديمية والمباريات الرياضية، كما في المشروعات التجارية؛ أنت تفوز أو تخسر قبل أن تدخل المعركة. هذا ما حدث مع "بايرن ميونيخ" أمام "برشلونة" و"باريس سان جرمان"، انتصر بالرعب. و"ترامب" في رعب. لقد أعرب عن ارتعابه في خطابه الأخير وفي تغريداته وتهديداته بأنه لا يمكن أن يخسر من دون تزوير الانتخابات، وهو يعرف كغيره من الأمريكيين أنه هو الرئيس التنفيذي الحالي المسؤول عن نزاهة الانتخابات!
من آخر تغريدات "ترامب" قوله: "أظن أنني متقدم في استطلاعات الرأي"! أمتأكد أنك تظن؟ ألا تدري بأن الظنون تقود إلى الجنون؟
تأكيد الخسارة:
في خطابه المشار إليه، التزم الرئيس بالنص المكتوب تماماً. نعم، حدثت المعجزة ولم يخرج الرئيس الشجاع عن النص قيد أنملة، لقد وافق على ألا يكون نفسه. هو خطيب ارتجالي جريء ورئيس غير ملتزم، لكنه -لأول مرة- استمع لمساعديه. لقد التزم، فانهزم. غيَّر القائد خطته أثناء المعركة. "ترامب" يعرف اليوم -أكثر من غيره- أنه خاسر. لقد هزمَ نفسَه. تكلم بلسان المتحدي لا الرئيس، بلسان الحالم لا الحازم. قال: "الوضع الحالي في "كونوشا" بولاية "ويسكنسن" - لا يمكن قبوله!" لقد نسي بأنه الرئيس الحالي المسؤول عن الوضع الحالي!
ولكن! هل ما زالت في جعبة الحاوي فرصٌ للفوز!
نعم، فرصتان صغيرتان:
أن يُـزِّور الانتخابات فينكشفُ أمرُه كما انكشف معاونوه الستة، ويتم عزلُه مثلما عُزِلَ "نكسون". أو أن يصابَ العجوز "بايدن" بالإنهاك ويتلعثم ويسقط أمام الناخبين، فلا تستطيع السمراء الباسمة "كاملة هاريس" إنقاذه، وهذا احتمال أضعف من الأول.