من هو القيصر "فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين"؟ ما دوافعه ونواياه وسرُّ غضبه من أمريكا والغرب؟ وهل هو مجنون ليشعل حرباً عالمية ثالثة؟
وجدت إجابة هذا السؤال في خلاصة كتاب "بوتين كلاعب ومحارب: خُطَط بوتين السرِّية لهزيمة أمريكا"Putin’s Playbook: Russia’s Secret Plan to Defeat America، وهو كتاب طريف ومخيف. طريف لأن مؤلفته "ريبيكا كوفلر" روسية الأصل وتعمل في المخابرات الأمريكية. ومخيف لأن تنبؤات"كوفلر" المُتخصِّصة في العقيدة العسكرية الروسيَّة بدأت تتحقق. فهي تُشَّخِص وتُحلِّل شخصية "بوتين" من ناحية، وتتوقع تصرفاتِه وتقترح أفضل الاستراتيجيات للتعامل معه من ناحية أخرى. ويبدو لنا اليوم أن الكتاب الذي يُصور "بوتين" على حقيقته، يكاد يؤكد أن الحرب العالمية الثالثةقادمة لا مَحَالة!
ما يزيد الثقة بالمؤلفة وكتابِها أنمعظم طروحاتهاموضوعية، وكثيراً ما تُبدي إعجابها بقيصر الكرملين، وتُبدع في التنبؤ بقرارته المستقبلية، حتى ليمكن القول بأن في كتابها نبوءةً مؤكدةًبشأن غزو روسيالأوكرانيا، رغم صدور الكتاب قبل الغزو بعام تقريباً.
الكتاب يتناول "بوتين"؛ شخصيته، ونشأته، وفكره، وعزيمته، وتَشَّبُعهبثقافة القسوة الروسية وتشبثه بها،وعدم خوفه من خوض حرب نووية، دفاعاً عن روسيا أولاً، ولاستعادةً مجدِها القيصري الغابر، ومجدها السوفييتي العاثر، ثانياً.
بدأت روسيا الهجوم على أمريكا عندما تدَّخَل الكرملين وعَبَث في انتخابات 2016،مُتخذاً الخطوة العمليةالأولى لزعزعة أمريكا العظمى، ما يُشير إلى استعداد بوتين للمواجهة العسكرية والنووية إذا تطلَّب الأمرُ ذلك. فهو يُحاولُ من خلال حروبه السيبرانية وغزواته الإعلامية وتدخلاته العسكرية، تحويل أمريكا لدولة منقسمة سياسياً، ومُفكَّكة اجتماعياً، ومرتبكة اقتصادياً، ومترددة عسكرياً.وهو مقتنع تماماً بأن الهجوم على أمريكامجرد حربٍ دفاعية بعد قيامها بتفكيك الاتحاد السوفييتي، ودعم الثورات وقوى التغيير في جورجيا وقيرغيزستان وأوكرانيا، وحث الاخيرة على الانضمام إلى حلف الناتو.
فمن هو القيصر"بوتين"؟ ما مصدر قوته؟ وهل هو مجنون كما تدعي آلة الغرب الإعلاميةً؟
يَنظُر الغرب إلى "بوتين"كمغامر، ومثير للفوضى، حتى أصبحت حالته العقليَّةمَحلَّ تساؤل الكثيرين! لكن المؤلفة"ريبيكا كوفلر" ترى أنه لا يمكن وصمه بالجنون بهذه البساطة، فهو لا يُعاني من خلل عقلي، بل يسير جُنونه الوطني وفق المنطق الروسي الذي يُفضل الموت على الاستسلام، فتعكس سلوكيَّاته الثقافة والشخصية الروسية القوية،خاصةً وأنه شديد التأثُر بهوية لاعب الجودو وضابط المخابرات، فصار لاعباً ومحارباً، وصارت هذه المهارات حاسمة له كرئيس ماهر وقادر على التلاعب بقادة الدول الأخرى.
وعلى الرغم من شراسته وغلظته، فهو لا يُعادي السامية مثل "هتلر"، بل كان أول رئيس روسي يزور إسرائيل عام 2005، وهو ليس عنيفاً مثل "إيفان الرهيب" و"ستالين،" بل يحرص على التواصل العاطفي مع الآخرين، رغم رفضه لقيم الديموقراطية الغربية وتجاهله لحقوق الإنسان. وبصفته القائد الأعلى للجيش والحكومة، يمتلك "بوتين" السلطة المطلقة في اتخاذ أي قرار يشاء، وهو يُسَّمي مفهوم صنع القرار الأحادي هذا "يدينوناتشالي" أي (القيادة المنفردة)، وبالنظر إلى التدريب الذي تلقاه،يُظهر حرصه على أن تكون كلُّ قراراته قانونية، وفي حال تعارض القانون مع تفكيره، فإنه يُغيِّر القانون ولا يغير تفكيره! ولهذا فإن إذلاله بهزيمة جيشه في أوكرانيا تبدو أمراً مستحيلاً لتماثلها مع هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، فهو جاهز للحرب النووية بالفعل، ولن يتوانى عن بدئها وهو يمارس السياسة كما يلعب الجودو، فيُحوِّل ضعفه إلى نقطة قوة، وقوة خصمة إلى نقطة ضعف.
قوة"بوتين"العسكرية والنووية هي خياره الأخير لمواجهة الحصار والحرب الاقتصادية وتهديدات الناتو، في حين أن أمريكا وأوروبا لا تفهم عقلية وحقيقة "بوتين". فعندما يتعلَّق الأمر بالحرب، لا يجب التعويل على تدخُّل صوت العقل فقط. فالحظُّوحده قد حال دون نُشوب الحرب العالمية الثالثة حتى الآن، لكن الحظَّ ليس مورداً استراتيجياً،حيث لا يمكنك التخطيط له، فإن لم تكن مستعداً لخوض الحرب والموت فيها، فإن الحرب ستختارك لا محالة. هذه هي عقيدة "بوتين" السياسية والعسكرية، فهل اقتربت الحرب العالمية الثالثة والأخيرة؟ ها هو دخانها يتصاعد، وشررها يتطاير في سماء أوكرانيا!