أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

ساتوشي ناكاموتو: من يكون ولماذا اختفى؟

بقلم : نسيم الصمادي 2018-03-01

في رأيي غير المتواضع أن أهم سؤال يجب طرحه حول العملات المشفرة و عملة البيتكوين ليس: هل أغامر وأتاجر بالبتكوين؟ بل: من ساتوشي ناكاموتو الذي طرح أمواله الرقمية في الشبكات والأسواق العالمية واختفى؟
باستثناء ملياراته المودعة في سلاسل التداول الآمنة، لم يترك ساتوشي ناكاموتو سوى دراسة يتيمة نشرها عام 2008 في ثماني صفحات، وبريد إلكتروني لم يعد موجوداً، وقد لخَّص دراسته في أقل من 200 كلمة، قائلاً:
"يمكن لتقنية النقود المشفرة أن تتمتع بخاصية التداول المباشر بين أي طرفين من دون وسيط، وأن تصل من المرسل إلى المستقبل دون الحاجة إلى بنك أو ضمان عيني. توفر البصمة الرقمية جزءاً من الحل، ولكن الفوائد المبتغاة من التداول الرقمي ستتلاشى إذا ما اضطررنا إلى استخدام وسيط مالي أو طرف ثالث يُجبرنا على دفع تكاليف التحويلات المالية مرتين. يكمن حل مشكلة تكرار التكاليف في شبكة التبادل الثنائي التي تعطي كل عملية بصمة وتجزِّئ سلسلة التبادل إلى كتل وحلقات مترابطة، مع تثبيت بيان بكل معاملة، وهو بيان يستحيل تغييره. السلسلة الممتدة ليست مجرد دليل على تسلسل الأحداث التي شهدتها العمليات، ولكنها نتاج طاقة معالجة بيانات هائلة ومنبثقة من وحدات معالجة مركزية معروفة، وما دام بإمكان نقاط المراقبة والطرفيات الآمنة التحكم بوحدات المعالجة، فمن البديهي أن تصد هجمات القراصنة المحتملين.  مثل هذه الشبكة المترابطة تحتاج إلى الحد الأدنى من تكاليف البناء والتشغيل؛ لأن الرسائل تتسلسل حسب الأسبقية استناداً إلى مستوى طاقة المعالجة والجهد المبذول. ويمكن لكل مشارك في التبادل المباشر أن يرسل ما يريد ويغادر الشبكة واثقاً من أن نسخةً محدثة من سلسلة التبادل سترتد إليه راصدةً كل ما حدث في غيابه. وهذه هي شبكة البلوكشين الآمنة التي تكفي لضمان مستقبل العملات الرقمية وتداولاتها اللانهائية".
فمن ساتوشي ناكاموتو هذا ولماذا اختفى؟
دون جدوى، حاول الكثيرون على مدار العقد المُنْصرم خلع أقنعة هذه الظاهرة المثيرة للأطماع والجدل، والمرهقة للأعصاب. لقد تبين أن شخصاً يدعى دوريان ساتوشي ناكاموتو يقيم في ضاحية صغيرة ملاصقة لمدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، وتسمى "تمبل"، وهو أمريكي من أصل ياباني، مما يشير إلى أن اختيار الاسم كان متعمَّداً، ربما لتوجيه الأصابع والأنظار إلى اليابان من ناحية، وإبعادها عن سيليكون فالي القريبة من سان فرانسيسكو. ومن المستبعد أن يكون مبدع البتكوين يابانياً، لأن اليابان رغم تقدمها التكنولوجي، لا تُجاري أمريكا والصين في مجال التكنولوجيا الرقمية، فضلاً عن أن الثقافة اليابانية تتسم بالشفافية والتجارة الأخلاقية، مقارنة بالصينية والأمريكية.
من المستبعد أيضاً أن تكون جهة حكومية اخترعت هذا الاسم، فلا حاجة للحكومات إلى أن تُخفي ابتكاراتها، لا سيما في الدول الحُرة التي تتسابق أحزابها لإبراز إنجازاتها، ومن المستبعد أكثر أن تُخطئ تسريبات ويكيليكس مثل هذا الصيد الثمين.
يمكن أيضاً استبعاد بل جيتس المشغول بأعماله الخيرية، وإلون ماسك المغرم بالابتكار الإيجابي الملموس، فمن يستطيع إرسال صاروخ إلى الفضاء واستعادته بعد إطلاقه لن يهدر قدراته في ممارسات مشبوهة، أما مارك زوكربيرج الذي كان قد بدأ قصة نجاحه للتو، فكان مشغولاً في تطوير فيسبوك، في حين كانت شركة أبل تحت قيادة المبدع ستيف جوبز الذي يصعب استدراجه لمغامرات افتراضية غير ملموسة، بعدما عُرف عنه من تركيز منقطع النظير على الجمال والإبداع الناعم الملموس. يمكنني أيضاً استبعاد جيف بيزوس الأمازوني الرهيب، والمهووس بتجارة التجزئة والمعروف بصبره وشغفه بالأهداف بعيدة المدى والتوسع البطيء المستمر.
يمكن أيضاً استبعاد العلماء والأكاديميين الأمريكيين والأوروبيين لأنهم يعيشون في بلاد حرة، ولا احتمال للتشكيك في نواياهم، ولا مبرر يحدوهم للعمل من وراء قناع، وهم لا يملكون أجندات سرية يجب إخفاؤها، وللأسباب السابقة يمكن استبعاد الأستراليين تماماً، على الرغم من ادِّعاء أحدهم ويدعى كريج رايت أنه عبقري عملة البيتكوين، لكنه عاد واعتذر بعدما افتُضِح أمرُه.
ثمة احتمال ضعيف أيضاً أن يكون لـجاك ما؛ الصيني صاحب علي بابا دور في اللعبة، ويمكن استبعاد بيتر ثيل مؤسس باي بال ومؤلف كتاب من صفر إلى واحد، وأول مستثمر في فيسبوك، وهو مهاجر ألماني ما زال يحتفظ بجنسيته الأصلية، وقد تخرج في جامعة ستانفورد حيث درس الفلسفة والقانون، وهو ذو عقيدة ليبرالية ومنفتح على العالم، رغم اعترافه بأنه استثمر في عملة البيتكوين.
أعتقد وبنسبة 80٪ إلى 90٪ أن وراء البتكوين فريقاً إسرائيلياً، أو على الأقل يهودياً؛ وهذا ليس طرحاً عنصرياً، لأن اليهود يمكن أن يكونوا أمريكيين وروسيين وإسرائيليين طبعاً، ولي في هذا الاعتقاد أسبابي، ومنها:
قرأت مؤخراً في كتاب: آلهة الكون للمؤرخ الإسرائيلي يوفال هراري رؤيةً تنسجم مع استراتيجيات عملة البيتكوين، حيث يرى أن البشرية ستتمخَّض عن عدد قليل من العباقرة الاستثنائيين الذين يسيطرون على العالم لأنهم يتمتعون بقدرات شمشونية خارقة تمكنهم من اتخاذ القرارات المصيرية، وسيشكلون طبقة أعلى شأناً من مستوى البشر، وسيديرون العالم عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وسيكونون سادة فعليين للكون، وما على الرعاع والرعية سوى اتباعهم.
هناك احتمال كبير أن يكون لليهود الروس دورٌ في لعبة عملة البيتكوين، وهم من نصروا ترامب على هيلاري كلينتون، وقرروا مصير أمريكا، حتى ليبدوا وكأنهم بدؤوا يطبقون نظرية اللعبة النخبوية ليقرروا مصير العالم فعلاً.
يوحي عجز العالم والمخابرات المزعوم عن كشف هوية ساتوشي ناكاموتو عن أن وراءه منظومة حماية ووسائل صد إلكترونية جبارة، ومن المعروف أن إسرائيل من أكثر دول العالم تقدماً في نظم الحماية الإلكترونية وتطبيقاتها العسكرية والمالية والبياناتية.
تتحدث ورقة العمل الأولى التي كتبها ساتوشي ناكاموتو كما أسلفت عن ضرورة توفر طاقة معالجة بياناتية قوية، ولا توجد شركة في العالم تستطيع التلاعب في خوارزميات البيانات مثل شركة جوجل وصاحبيها سيرجي برين الروسي، ولاري بيج الأمريكي، وفضلاً عن شغفهما بالتجريب وتحويل البيانات إلى دولارات، فإن إفصاحهما عن مشروع خطير بهذا المستوى يُعرضهما لطائلة القانون الأمريكي الذي يمنع تضارب المصالح والاحتكار.
هناك أسباب أخرى لا أرى مجالاً لذكرها تفادياً للإطالة، وكلها تشير إلى النخبويين والاستثنائيين وسادة الكون كما يرى هراري وأمثاله من فرق الكتائب الإلكترونية التي تسيطر على روح العالم، لكن الأمانة العلمية تقضي بأن نشير إلى فكرة مضادة ترفض نظرية المؤامرة، وتقول إن ساتوشي ناكاموتو ذو رؤية إنسانية نبيلة، وأنه اخترع عملة البيتكوين للتخلص من فساد البنوك الذي تسبب في انهيار الاقتصاد العالمي في العقد الماضي، إلا أن هذا الاحتمال ضعيفٌ لأسباب سأفصِّلها في مقال آخر.
 
يمكنك ايضاً قراءة المواضيع التالية:
معايير عملة البيتكوين
الذهب الرقمي
السياسات النقدية للقرن 21
عصر العملة المُشفَّرة كيف تتحدَّى عملة البيتكوين والنقود الرقمية النظام الاقتصادي العالمي
العصر المُعزَّز Augmented by Brett King
ثورة البلوكشين (سلسلة الكتل) Blockchain Revolution
 
بقلم: نسيم الصمادي

بقلم : نسيم الصمادي