أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

الإمكانات الكامنة في الحياة والعمل

دليل اكتشاف القدرات وتحقيق الإنجازات

بقلم : نسيم الصمادي 2023-11-22

استمتعت بقراءة وتلخيص كتاب الإمكانات الكامنة Hidden Potential مثلما استمتعت بكتب أخرى عظيمة ومؤثرة خلال العقود الأربعة الماضية، ويسعدني أن أذكركم ببعضها:
العادات السبع لأكثر الناس فعالية لـ ستيفن كوفي 1993،
التنافس على المستقبل لـ جاري هامل و سي كي براهالاد 1994،
الطريق إلى مكة خمسة متطلبات للنجاح العملي والشخصي لـ توم رودل 1997
مَّن حرَّك جبني قصة لإدارة التغيير في حياتنا وعملنا لـ سبنسر جونسون، 2000
مِن جيد إلى رائع دراسة عن تحول المؤسسات العادية إلى استثنائية لـ جيم كولينز 2002،
السبب قبل الذهب – قصة الخيميائي أو السيميائي الرؤية والطاقة وقوة الإرادة تحول التراب إلى ذهب لـ باولو كويلهو 2003،
التحفيز والشخصية لـ أبراهام ماسلو، 2019

بالنسبة لقادة المؤسسات والمديرين التنفيذيين ومديري الموارد البشرية والتعليم والتطوير L&D ومسؤولي استقطاب المواهب، والمعلمين، والموجهين والمدربين الشغوفين بالكوتشنج Coaching يجب وضع كتاب آدم جرانت الجديد، الإمكانات الكامنة، على الرف إلى جانب كتب العادات السبع، و من جيد إلى رائع، والتحفيز والشخصية. هذه الكتب التي غيرت مفاهيم القيادة منذ منتصف القرن العشرين، ستؤثر وتغير مفاهيم واتجاهات الإدارة الحديثة، رغم أنف المحتوى الرقمي، على مدى القرن الحادي والعشرين أيضاً.
الإمكانات الكامنة: علم اكتشاف الإمكانات وتحقيق الإنجازات، هو كتابي المفضل في العقد الأخير دون جدال، لا سيما في مجالات التعليم والتطوير Learning & Development وإدارة المواهب والكوتشنج. وقد تجاوز آدم جرانت في كتاب الإمكانات الكامنة Hidden Potential، كتابه السابق أعد التفكير Think Again فكراً وبحثاً وممارسة، أي على المستويين النظري والتطبيقي.
وقبل عرض مجالات التطبيق والممارسة التي أوردها آدم جرانت في الإمكانات الكامنة، هناك ملاحظة لغوية اصطلاحية يجب التأكيد عليها، وهي تتجاوز الملاحظات العابرة إلى التحذير من أن تتم ترجمة عنوان الكتاب إلى الإمكانات الخفية كما يفعل جوجل وغيره من منصات الذكاء أو الغباء الاصطناعي، لأنها ستكون ترجمة خاطئة تعبر عن عكس المعنى الكامن في العنوان. 
المقصود بالإمكانات الكامنة واضح جداً، ويمكن إعادة صياغته بالإنجليزية بكلمتي Latent Potential فكلمة Latent بحد ذاتها توحي بالكُمون وهي رديف إنجليزي مباشر لكلمة Potential. فما دامت الإمكانات ممكنة ومتوثبة وإيجابية وتحمل سمة الإمكانية القوية، ويمكن قياسها كسمات قوية في الشخصية، فهي متاحة وبينة، ومن الخطأ الإيحاء بأنها خافية أو خفية.
تطبيقات الإمكانات الكامنة
الإمكانات الكامنة في التعليم والتطوير 
التعليم والتعلم والتطوير والتحسين المستمر سمات عميقة في الشخصية نابعة من الذات الداخلية، حتى إن التعلم القصدي الهادف كمهارة هو واجب أخلاقي له دافع يتعلق بالوعي والمستقبل. وهذا ما يسميه آدم جرانت Skill Of Character: Getting Better at Getting Better أي تطوير مهارة تحسين عملية التحسين المستمر.
يركز كتاب Hidden Potential على إمكانات الطلاب والمعلمين وكيفية تحريكها ثم استثمارها استناداً إلى الدراسات العلمية ويقدم استراتيجيات عملية من التجربة الفنلندية في التعليم المدرسي، ويرى في الفصول الدراسية مختبرات لإطلاق الإمكانات الكامنة في الطلاب لتعزيز التفاعل والإبداع وتطوير المهارات الأكاديمية والاجتماعية والمواهب الذاتية. 
ولذا يعد كتاب الإمكانات الكامنة دليلاً ملهما للمعلمين وخبراء الكوتشنج ومديري التطوير. وأهم ما في نظرية الإمكانات الكامنة هو تأكيد جرانت على أن التعلم فعل إنساني فطري مدفوع بعدم قدرة الإنسان العاقل على احتمال الجهل. فالإنسان بطبيعته كائن اسفنجي قادر على التلقي والامتصاص والاحتفاظ والاسترجاع والتكيف Human Sponges: Building the Capacity to Absorb and Adapt
الإمكانات الكامنة في الموارد البشرية: مقابلات التوظيف والاختيار والتدريب والتحفيز والشغف وإبداع فريق العمل واستثمار المواهب.
يقدم كتاب الإمكانات الكامنة أفكاراً مبتكرة لوضع الموظف المناسب في الوظيفة المناسبة دون الاستناد إلى الخبرة والمؤهلات فقط، من خلال أدوات لاكتشاف مهارات وقدرات المرشحين المحتملين التي لا تعرب عن نفسها في مقابلات التوظيف التقليدية. 
يركز آدم جرانت على تحليل المواهب والقيم الشخصية، والشغف، ووعي الموظف بذاته، ومعرفته بمتطلبات الوظيفة أولاً. وبهذا يساهم كتاب Hidden Potential في التطوير المبكر للقادة والتقليل من دوران العمالة بتعزيز الانسجام بين الموظف والوظيفة، مما يزيد الإنتاجية ويقلل التكاليف ويحقق سعادة الموظف وولائه لمؤسسته. 
ويمكن تصور عمق وطروحات آدم جرانت في تطوير وتعليم الموظفين وقراءة رؤيته في العناوين التالية:
• المعدن النفيس في الكيس: اكتشاف المواهب وصقلها أثناء اختبارات التوظيف
• غرس الشغف في الممارسة: طحن بلا جعجعة
• روافع الدوافع: بناء دعامات التحفيز 
• كسر الحلقة المفرغة ومواصلة التقدم
• تحدِّي الجاذبية: لا تحليق بلا أجنحة
•كشف الإمكانات الكامنة في الذكاء الجمعي 
الإمكانات الكامنة في الابتكار و قيادة التغيير
تجلت عبقرية آدم جرانت في كتاب الإمكانات الكامنة بربطه ودمجه بين كل الأدوار الوظيفية والعمليات الإدارية وصهرها في بوتقة إبداعية واحدة، فهو يتناول التخطيط والتنظيم والرقابة والتقييم دون أن يذكر أي عملية منها بشكل مباشر. فالابتكار يحتاج إلى فتح النوافذ، والرقابة مطلوبة ولكن بعيداً عن البيروقراطية. بل إنه يجعل إدارة التدريب والتطوير المؤسسي الناظم الأساسي واللاصق القوي والجسر والروافع والدوافع التي تجعل كل أعمال وأنشطة المؤسسة، حتى الابتكار الذي من الصعب أن يدار، تلتئم وتتلاءم، وتلتحم وتتلاحم، لتُكَّون جسماً واحداً لا يمكن العمل في غياب جزء أو جزئي منه. وقد تكون خلطة كتاب آدم جرانت النظرية، ذات الأهداف والممارسات العملية، هي أعظم إبداعاته في هذا الكتاب. 
يوضح آدم جرانت علاقة الإمكانات الكامنة بالإبداع ثم الابتكار ارتكازاً على المواهب. ويستخدم مقاربة الأحجار الكريمة – غير المصقولة - في توضيح طروحاته. فرغم أن الماس الخام لا يبدو لامعاً بكل بريقه عند اكتشافه، إلا إن بريقه يسطع ويبدأ بالتألق بعد صقله وتلميعه، وتتحول بعض قطع الماس إلى ثروات فريدة ومتفردة لا تقدر بثمن. وبالمثل، اكتشاف القدرات المطموسة للأفراد يؤدي إلى الإبداع في الابتكار ثم التألق والاشتهار. تحريك الإمكانات الكامنة يشبه تعريض الماس للحرارة الشديدة، فهو يحتاج إلى حفر وتنقيب وانتقاء ثم طَّرق وتلميع وسطوع، فتتألق الأفكار الجديدة وتتحول إلى حلول مبتكرة لم تكن في الحسبان.
وبكل براعة، ولكن ليس ببراءة، فإن آدم جرانت يحمل المسؤولية إلى إدارات الموارد البشرية. وهذا اتجاه جديد يمكننا ملاحظته بوضوح، حيث بدأت مؤسسات كثيرة تفسح الطريق إلى مديري وخبراء الموارد البشرية للترقي وتسلم منصب المدير التنفيذي، وحتى رئيس مجلس الإدارة.
 
وأختم هذا العرض برسالته الخشنة الناعمة؛ الضمنية المباشرة إلى مديري الموارد البشرية أولاً، ومديري التعليم والتطوير والتدريب في كل المؤسسات ثانياً، حيث قال: "نحن نعيش في عالم صاخب يتطلَّب شعوراً وحُكماً جماعيّاً لقراءة المؤشرات الصحيحة وصنع القرارات المريحة. في كل المؤسسات تلوح الفرص على السلم الوظيفي ويعرف الموظف قبل المدير، والصغير قبل الكبير، أنه قد حان وقت التغيير، ثم تحتدم الصراعات، فيغضُّ مدير الموارد البشرية أو أحد مساعديه الطرف، ويصمُّ مدير التعليم والتطوير L&D أذنيه، وكأن لكل منهم شأناً يعنيه! فتضيع الفرص على درجات السلم الوظيفي والتسلسل الهرمي، المُصمَّم أصلاً لرفض أفكار الابتكار، ووأد القدرات الخفية والإمكانات الكامنة في مهدها."
من باب الابتكار ربما، ومن النوافذ المشرعة لرياح التغيير، عليك بقراءة كتاب آدم جرانت وتطبيق ما يمكن استيعابه وتطبيقه، فإمكاناتك كغيرك من المبدعين، كامنة ومتوثبة، وكذلك إمكانات رؤسائك وزملائك ومرؤوسيك. فلنطلق كل الإمكانات الكامنة من مخابئها، وبمعنى أدق: من كوامنها.

بقلم : نسيم الصمادي