أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

ثمن الوقت

كيف نشأت وتطوَّرت الفوائد المالية عبر التاريخ؟

بقلم : إدوارد تشانسلور 2023-09-05

لماذا اختُرعت الفوائد؟ 
تمثِّل الفوائد ابتكاراً مهماً في تاريخ التمويل، حيث أتاحت للأفراد عبر مختلف العصور المعاملات التجارية عن طريق الإقراض والاقتراض وتقييم الأصول والاستثمار وتسعير المخاطر وما إلى ذلك، ويساعد تسعير الوقت على التأكُّد من استثمار رأس المال بالطريقة المثالية، فالفوائد المرتفعة مثلاً تدفعنا إلى الاستثمار في المشروعات قصيرة الأجل حيث يمكن استرداد رأس المال أسرع. 
عندما تكون الفوائد مرتفعة بدرجة كبيرة، تتضاءل نسب الإقبال على الاستثمار، وعندما تنخفض بقوة، تتجه الأموال إلى الاستثمارات بعيدة المدى. أمَّا الفوائد متناهية الصغر فهي التي تنقذ بعض المؤسَّسات الضعيفة من الانهيار، وقد أسهم الانتشار الواسع للمؤسَّسات المُحتضرة في تثبيط رواد الأعمال، وتعطيل الهدم البنَّاء (Creative Destruction)، ومن ثمَّ تباطؤ عجلة النمو الاقتصادي ككل. 
كيف يقيَّم سعر الفائدة؟
القيمة الزمنية للنقود هي العنصر الحاسم في عملية تقييم الاستثمارات، فالفائدة تعمل بمثابة معدَّل الخصم أو الرسملة الذي تتحوَّل من خلاله التدفُّقات النقدية المستقبلية إلى صافي قيمة أو سعر سوق في حينها. 
لم يعد بإمكاننا فهم بعض الظواهر أو الفقاعات التي نشهدها، مثل “العملات المشفَّرة”، و”مؤسَّسات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة”، والفن المعاصر والسيارات العتيقة - إلا في سياق أسعار الفائدة المنخفضة للغاية.
وقد أكَّد أحد الخبراء الاقتصاديين أنه من دون الفوائد سيظل سعر التفاحة بعد مائة عام بنفس قيمته اليوم، وهو أمر غير منطقي على الإطلاق. من ناحية أخرى أدَّت الفوائد متناهية الصغر إلى تراجع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، فضلاً عن زيادة الهشاشة المالية وتهيئة الأوضاع لوقوع أزمة مالية جديدة، وتدعم التقلُّبات التي تشهدها بورصة “وول ستريت” وجهة النظر هذه. 
ثمن المُخاطرة تعوِّضه الفوائد
ينطوي الإقراض، كما أوضح الخبير الاقتصادي الإيطالي “فرديناندو جالياني” في القرن الحادي عشر، على مخاطرة حتمية، والفائدة من وجهة نظره هي ثمن “التوتر” الذي يخوضه المُقرِض أو بالأحرى التعويض الذي يتلقَّاه نظير إقراض نقوده. 
وجدت الأبحاث الحديثة أنَّه في حال انخفاض الفائدة عن مستوى معين، يخوض المستثمرون مخاطر أكبر بهدف الحفاظ على مستوى الدخل المعتاد، وقد أدَّت معدلات الفائدة متناهية الصغر التي ظهرت في أعقاب الأزمة الاقتصادية عام 2008 إلى حالة من البحث البائس عن العائد، فيما يُطلَق عليه “التداول بالاقتراض” في معجم “وول ستريت”، وفيه يحصل المُدَّخرون على دخول إضافية عن طريق إقراض عمليات الاستحواذ المدعومة بالقروض وشركات الأسهم الخاصة أو الأسواق الناشئة التي تطرح معدَّلات فائدة أعلى. 
وحيث إنَّ الفائدة هي ثمن الاستدانة (أو الرافعة المالية)، فإنَّ انخفاض معدَّلاتها يصاحبه ارتفاع ديون المؤسَّسات وزيادة المديونية في الأسواق الناشئة والصين على وجه الخصوص. ويؤكِّد محافظو البنوك المركزية أنَّ الضوابط المالية تحقِّق الاستقرار المالي، ولكن دائماً ما يجد المُتعهِّدون الماليون طريقة للالتفاف حول هذه الضوابط بحثاً عن الربح السريع، ولهذا كان التحكيم المالي قائماً منذ العصور البابلية. 
الفوائد تصنع الدخل والثروة
في مجتمعات ما قبل الصناعة، كان المقرضون الأثرياء يفرضون فوائد مرتفعة لاستغلال الفقراء والمعوزين ودفعهم إلى الاستدانة والاستعباد، وفي اقتصاد لا يشهد أي نموٍّ يُذكَر، تكون الفوائد المُركَّبة مستحيلة. 
أمَّا في الاقتصاد الرأسمالي الحديث الذي يُوظِّف القروض في استثمارات الإنتاج، فقلَّما تكون الفوائد استغلالية، بل ولا يشترط أن يكون المستثمرون أثرياء من الأساس، فحتى الأسر ذات الدخول المنخفضة تمتلك مُدخرات على هيئة ودائع نقدية، ويحتفظون بالنصيب الأكبر من ثرواتهم على هيئة أموال سائلة أكثر ممَّا يفعل الأثرياء، وبالطبع تستحقُّ هذه الأسر عائداً جيداً على مدَّخراتها، ورغم ذلك خسروا مئات مليارات الدولارات من إيرادات الفوائد في أعقاب أزمة 2008.
نستخلص من ذلك أنَّ أكبر المستفيدين من عصر الفوائد متناهية الصغر هم فئات المجتمع الأكثر امتيازاً، وتحديداً الرؤساء التنفيذيين لكبرى المؤسَّسات التي تضخَّمت مكاسبها من الأسهم بفعل الأسواق المتصاعدة. 
تأليف:
إدوارد تشانسلور: مُؤرِّخ مالي بريطاني ومُتخصِّص في الصحافة المالية.
للمزيد إليك الكتب التالية:
  1. خلاصة كتاب "قواعد التعامل مع النظام العالمي المضطرب"
  2. خلاصة كتاب "كيف ينمو الاقتصاد؟ ولماذا ينهار؟"

Title: The Price of Time: The Real Story of Interest
Author: Edward Chancellor
Publisher: Atlantic Monthly Press
Pages: 416
ISBN: 978-0802160065

بقلم : إدوارد تشانسلور