تشغل طبيعة التواصل البشري العقول وتثير التساؤلات طوال الوقت، وتؤكِّد التقديرات أنَّنا ببلوغ سن العاشرة نكون قد قضينا نحو 10 آلاف ساعة في التواصل مع آخرين، وبما أن الإنسان يحتاج إلى ممارسة أي شيء لمدة 10 آلاف ساعة ليصبح خبيراً فيه وفقاً لرأي “مالكولم جلادويل” فهذا يجعلنا خبراء في التواصل الاجتماعي بمجرد بلوغنا سن العاشرة.
الألم الاجتماعي حقيقة وليس وهماً
يؤلمنا الشعور بالرفض وقطع العلاقات أكثر ممَّا نتصوَّر، لأن طبيعتنا البشرية تدفعنا بشكل فطري إلى التفاعل، ولذلك فإن الألم النفسي الناتج عن الرفض يشبه الألم الجسدي، ولكي يثبت “ليبرمان” هذه الحقيقة استعان ببعض الأفراد المتصلين بجهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي للمشاركة في لعبة افتراضية بحيث يُمرِّر كل فرد الكرة إلى شخصين آخرين.
ما لم يعرفه اللاعب الرئيس أن اللاعبين الآخرين كانا مجرد شخصيَّات رمزيَّة مُبرمجة على التوقُّف عن تمرير الكرة إليه عند نقطة محدَّدة، وبالرجوع إلى مخرجات جهاز الرنين، وجدوا أن استجابة اللاعب العاطفية بعد تجاهل الآخرين له تتطابق مع مخرجات الرنين الخاصة بشخص آخر يعاني ألماً جسدياً.
استيعاب مشاعر الآخرين يكشف دوافعهم
القدرة على التعاون مع الآخرين وقراءة عقولهم عنصر مهم لنجاحنا، ولكن هذه القدرة تتفاوت من شخص إلى آخر وإن كانت موجودة بنسبة ما لدى معظمنا، ولكنَّنا نُفسِّر مشاعر وأفكار الآخرين حسب إدراكنا، ويساعدنا ذلك على أن يفهم بعضنا بعضاً واكتشاف دوافع الآخرين بشكل أفضل.
في إحدى الدراسات عُرِض على المشاركين مقطعاً لدائرة ومثلثين يدور كلٌّ منهم حول الآخرين، وبسؤالهم عما شاهدوه، ابتكر المشاركون قصصاً عاطفية من وحي خيالهم بناءً على حركة الأشكال الهندسية. قال بعضهم مثلاً إن مثلَّثاً كان يطارد الشكلين الآخرين ويتنمَّر عليهما.
المكافآت العاطفيَّة أقوى من الماديَّة
المال لا يصنع السعادة، بينما يصنعها السخاء العاطفي وبجدارة، فالعوامل الاجتماعية تؤثِّر كثيراً ليس فقط في معدلات السعادة، وإنَّما أيضاً في السلامة النفسية، فمثلاً أشارت دراسات عديدة إلى الرابط الذي يجمع بين الزواج والأعمال الخيرية والسعادة، وأثبتت أن الأشخاص الذين يتطوَّعون مرة واحدة على الأقل أسبوعياً تزيد معدَّلات سلامتهم النفسية بنفس الدرجة التي يشهدها شخص قفز راتبه من 20 ألفاً إلى 75 ألف دولار سنوياً. يدلُّ ذلك على أن المكافآت الاجتماعية تتفوَّق على المال من حيث الإشباع العاطفي والنفسي.
وفي دراسة أخرى مَنحت إحدى مؤسَّسات البرمجة أفضل رجال المبيعات على مدار السنة نجمة ذهبية تُلصق على بطاقات عملهم وأدواتهم المكتبية. تحمَّس رجال المبيعات للحصول على النجمة الذهبية حتَّى أن 68% منهم أغلقوا الصفقات مُبكراً لتسجيل أرقام أعلى. كلَّفهم الإغلاق المُبكِّر نحو 27 ألف دولار في المتوسط، إلا إنهم فعلوا ذلك بسرور في سبيل الحصول على النجمة الذهبية، أي إنَّ التقدير الاجتماعي كان أهم وأكثر قيمة بالنسبة لهم من الربح المادي.
بما أنَّ التواصل الاجتماعي يشكِّل هذه الأهمية البالغة لدينا، فلماذا لا نوظِّفه في تحفيز الأداء والإنتاجية وتعزيز السلامة النفسية!
تأليف: ماثيو ليبرمان: تدرَّب في جامعة هارفارد، ويعمل أستاذاً في قسمي علم النفس والطب النفسي.