أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

في عالم الفيروس والميتافيرس

الإدارة بالإنسان لا بالمكان

بقلم : فريق تحرير إدارة.كوم 2021-12-02

منذ سنوات مضت، أطلقت “آير بي إن بي” شعار “الانتماء في أي مكان”؛ الأمر الذي أثار الدهشة حينها؛ إذ لم يكن من المتوقع لشركة صغيرة – آنذاك – أن تُعلي قيمة هذا الحافز النفسي. إلا أن حرص المؤسسين على إشباع احتياج الإنسان للانتماء والانسجام كان أصيلاً وصادقاً. فالانتماء هو أحد احتياجاتنا اللازمة للعيش والبقاء.
في “هرم الاحتياجات الإنسانية”، أكد “أبراهام ماسلو” على أهمية التفاعلات “الهادفة” لبني البشر. ولم يقصد بذلك التفاعلات العشوائية؛ وإنما المُتعمدة والمُنتظمة وطويلة المدى. وأكد باحثون آخرون على ضرورة الشعور الواضح والإحساس الصادق بالمجتمع كدفاعات رئيسة لصد هجمات الإنهاك من جهة، وتعزيز مشاركة الموظفين وانتمائهم من جهة أخرى.
ولكن في ظل هذه الاحتياجات الرئيسة ومردودها على الإنتاجية في بيئة العمل، هل يمكن للبيئات الافتراضية أن تُلبي هذه الاحتياجات بنفس طريقة وتأثير بيئات العمل الفعلية؟
أثبتت المُؤسَّسات المنشأة حديثاً، والتي تعتمد على الواقع الافتراضي كبيئة عمل أساسية، فشلها في خلق نوعية التواصل التي يصبو إليها الموظفون. وجاءت الجائحة، في العامين الماضيين، ليزداد الطين بلة، بعد أن أجبرت الأفراد على التنقل بين اجتماعات “زووم” تباعاً من دون أي تواصل فعلي. كما ارتفعت معدلات الإنهاك نتيجة ذلك، وتبيَّن أنه لا البيئات الافتراضية ولا مُرشحات كاميرات الفيديو يمكنها التصدي للإنهاك والعزلة.

هل يعوضنا الميتافيرس عن عزلة الإغلاق؟
بذلت بعض المؤسسات جهوداً لحل هذه المعضلة، وإن كانت محدودة الأثر، من خلال الاستثمار في التطبيقات المُصمَّمة للتأمل. ولكن ما أغفلته هذه المؤسسات هو أن الإنهاك والعزلة يحدثان لعدة أسباب؛ منها عدم القدرة على التوقع، واختلال التوازن بين الحياة والعمل، وغياب الدعم الاجتماعي، والافتقار إلى وضوح الأهداف وغياب الشعور بالانتماء. لذا، يتعين على المؤسسات أن تُفتش عن أساليب لربط الأفراد بعضهم ببعض بطرق هادفة ونافعة، بدلاً من الانجراف خلف المكاسب المُحتملة للميتافيرس من دون التفكير في النتائج.

لا بد أيضاً من التمييز بين بيئات العمل “المرنة” و”الافتراضية”. فقد تفاقمت أزمة “الاستقالة الكبرى” – وهو المصطلح الذي أُطلق على إقبال أعداد هائلة من الموظفين على التخلي عن وظائفهم خلال جائحة "كوفيد-19"- بشكل برهن على حتمية التحول إلى نماذج عمل أكثر مرونة. إلا أن معظم القادة يخلطون بين الشعور بالانتماء والتفاعل الاجتماعي، وبين المحادثات العشوائية التي تتم عند الطابعة أو مُبرد المياه في مكان العمل؛ فاكتفوا باستبدالها بفرص “افتراضية” لتحقيق التفاعل بين الموظفين وأقرانهم وعملائهم. ولا عجب أن أخفقت كل هذه المساعي – فضلاً عن نتائجها العكسية أحياناً.

واليوم، تتجه الأبحاث الحديثة نحو فكرة الانتقال من الثقافة “المدفوعة بالمكان” إلى الثقافة “المدفوعة بالإنسان”. فمجرد استبدال العالم المادي بآخر افتراضي، والتوصُّل إلى حلول فردية للإنهاك لا يزيد الأمور إلا سوءاً. وبما أنه من المُرجح أن تحافظ بيئات العمل على طابعها الافتراضي إلى أجل غير مُسمى بسبب المستجدات العالمية والمتحورات الجديدة ومخاوف الإغلاق الذي يهددنا الآن بسبب المتحور الجنوب أفريقي الذي أطلق عليه أخيراً “أوميكرون - Omicron”، فإن الحل يكمن في تعزيز الشعور بالغاية والتشبث بالهدف.
آلية دعم الأقران
شرعت بعض المؤسسات في خلق فرص للقاءات الجماعية القائمة على دعم الأقران كآلية لمُناهضة الشعور بالعزلة. يشترك الأفراد، داخل هذا النموذج، في نفس الخبرات والأهداف، وينضمون في تجارب مشتركة لكي يدركوا أن معاناتهم، التي تبدو فردية من منظورهم، ما هي إلا حالة عامة وسائدة بين أقرانهم كذلك؛ بمعنى أن هناك آخرين يشاركونهم آلامهم.
يعتمد نجاح هذه التجمعات بشكل رئيس على الطقوس التي تخلق حالة من السلامة والانتماء، فضلاً عن توطيد العلاقات. وقد تشمل الطقوس الفعالة اجتماعات ارتجالية بشكل يومي، أو نصف شهري، أو غداء كل يوم اثنين، أو اجتماع لمناقشة مؤشرات الأداء الأساسية كل يوم خميس، إلخ. تُتيح معظم هذه الطقوس للمشاركين توقع ما هو آتٍ. فتتضاءل الشكوك، الأمر الذي يعزز الصحة والسلامة النفسية.
العوالم الافتراضية ترسخ أقدامها، وترسخ وجودها في حياتنا يوما تلو الآخر، حتى باتت واقعاً لا مفر منه. ولهذا يتعين على المؤسسات البحث عن أساليب افتراضية تدعم التواصل الاجتماعي والطقوس الاجتماعية اليومية بهدف تعزيز الانتماء، وتقليل الإنهاك، وخلق حالة من الاتساق. وينبغي أن يتم كل ذلك في ظل وضوح الأهداف والغايات، والدفع بعجلة التعلم والتطوير، كي نضمن فرصاً أفضل للنجاة في مستقبل محفوف بمخاطر «الفيروس» و«الميتافيرس».

بقلم : فريق تحرير إدارة.كوم