أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

بندول الساعة وسبب خسارة ترامب

بقلم : نسيم الصمادي 2021-01-03

كنت قد وعدت القُرّاء بتفسير توقُّعي بأن يفوز "ترامب" عام 2016، ثم التأكيد المبكِّر لخسارته عام 2020. ثم صرفت النظر عن العودة للموضوع لاعتقادي بأن الصورة قد اتضحت. لكن إلحاح بعض القراء واختلاف وجهات النظر حول التحولات الأمريكية الأخيرة دفعني للتوضيح، لا سيما وأن "ترامب" سيرحل في 20 يناير الجاري؛ إنْ جرت الأحداث في مسارها الطبيعي.
 
بإلقاء نظرة خاطفة على خريطة انتخابات 2020، نجد خَطَّين أزرقين يُحَزِّمان أمريكا من الشرق والغرب. الولايات المتاخمة والقريبة من المُحيطَيْن الأطلسي والهادي والمنفتحة على العالم، تُصَوِّت دائماً للديموقراطيين المتحررين. وهناك خط أحمر عريض يَشطُر أمريكا إلى نصفين ويرسم خريطة الولايات المحافظة التي تصوت دائماً للجمهوريين. وقد ترَكَّز رهاني على أن الولايات المتأرجحة ستصوت عام 2020 للديموقراطيين لا محالة. كنت واثقاً من ذلك بعد الربط بين سلسلة من المتغيرات والأحداث الجارية، وبسبب معرفتي بثقافة الأمريكيين وتقلبات مجتمعهم.
 
فمثلاً، كنت في عام 1985 أتعلم اللغة الإنجليزية في جامعة "رَتجَرز" في ولاية "نيوجرسي". وعندما حظيتُ بالقبول في جامعة "ويسكنسن" في الغرب الأوسط، اضطررت للعودة إلى بريطانيا للحصول على إذن دخول جديد.وعندما أخبرتُ مدرسي اللغة الإنجليزية ومسؤولي التسجيل في جامعة "رتجرز" بأنني ذاهب إلى "ويسكنسن" اعترتهم الدهشة واعتبروني محظوظاً، وكأنني ذاهب إلى المريخ. لقد خالجني الظن فعلاً بأن "ويسكنسن" كوكب آخر! ولكن نمط التفكير ذاته تكرر عندما أخبرت أساتذتي وزملائي في "ويسكنسن"بأنني قادم من "نيوجيرسي". سجلت في دفتر مذكراتي حينذاك أن المتعلمين في المجتمع الأمريكي يفتقرون للعمق وسِعة الأفق. ففي حقيقة الأمر،لم يكن هناك فرقٌ كبير بين "نيوجيرسي" القريبة من نيويورك، و "ويسكنسن" القريبة من شيكاغو. والمدينتان الأخيرتان لبيراليتان ومتشابهتان إلى حدٍّ كبير.
 
التغيير من سنن الحياة، لكنه يعمل كبندول الساعة، يتحرك بوتيرة منتظمة، فلا يتسارع أو يتباطأ ما لم يتأثر بقوة دفع جديدة، أو تعترضه عقبة شديدة. وقد تأثَّرت الولايات الأمريكية الخمس التي رجَّحَت كفَّة الديموقراطيين مؤخراً بقوة دفع هائلة، فواصل بندول الساعة حركته واتجه ليزيد كثافة الخطين الأزرقين في الشرق والغرب الأمريكي. فالولايات التي رجَّحَت كفة "بايدن" هي: "أريزونا" في الغرب، و"جورجيا" و"متشجن" و"ويسكنسن" و"بنسلفانيا" في الشرق والشمال الشرقي. فما الذي يدفعُ مجتمعاً مضطرباً ومحافظاً كالمجتمع الأمريكي إلى مواصلة التغيير؟
في كتابه "الميزان الأعظم" يؤكد "وولتر شايدل" أن الحق لا يتحقق والمساواة لا تستوي إلا بالقوة. ولقد كان العنف هو نمط القوة السائد عبر العصور. ومع تقدم البشرية وتصاعد دور القوة الناعمة، صار مجرد التهديد بالعنف بديلاً فاعلاً. ويحصر "شايدل" القوى الأربع المُحدِثة للتغيير في: الحرب أو الخوف منها، والثورة أو الخوف منها، والأوبئة أو الخوف منها، وانحطاط الدول أو الخوف منه. وفي انتخابات عام 2020 تزامنت هذه القوى الأربع وتحالفت ضد "ترامب"؛ فرأينا الاضطرابات العنصرية، والجائحة الصحية، والتهديد بشن حروب ضد الصين وإيران، والاستقطاب الأيديولوجي بين المحافظين والليبراليين الذي لايزال التحدي الأكبر للرئيس القادم.
 
الأمريكيون محافظون. عندما يطمئنون يُصوتون للمحافظين، وعندما يخافون يصوتون للديموقراطيين. وهذا ما لم ينتبه له كثيرون. حتى إن "طلال أبو غزالة" أفتى بفوز "ترامب" واندلاع حرب بين أمريكا والصين في شهر أكتوبر 2020. في حين أن الحرب كانت قد انتهت بخسارة "ترامب" في الجبهتين: الداخلية والخارجية.

بقلم : نسيم الصمادي