الإجمالي $ 0
سلة المشتريات
من منطلق اهتمامي الطويل بالإدارة الحكومية والتفكير في استراتيجياتها، وهو اهتمام بدأ خلال سنوات عملي في معهد الإدارة العامة بالرياض، وتعمق بعد تلخيص كتاب "إعادة اختراع الحكومة" قبل ربع قرن، وترجمة كتاب "فن الاستراتيجية الحكومية: تسخير السلطة والمعرفة للصالح العام"، للإنجليزي "جيف مولجان"، بحثت في أسباب نجاح بعض الدول في إدارة أزمة "كوفيد-19"، وأسباب فشل دول أخرى.
يصعب تحديد عوامل النجاح بدقة لعدة أسباب منها: أن الأزمة ما زالت قائمة، بالإضافة إلى عدم شفافية بعض الدول في الإفصاح عن عدد الإصابات والوفيات، واحتمال اندلاع موجة ثانية. تعد الأردن - مثلاً- من الدول الناجحة في إدارة الأزمة، لكنها ما زالت تُغلق حدودها وتمنع الأردنيين المغتربين من العودة، ما أدى إلى عجز الحكومة عن تحريك عجلة الاقتصاد. بينما تُعد السويد - مثلاً- من الدول الفاشلة في إدارة الأزمة، ولكن الحياة تسير فيها بشكل طبيعي، ويتمتع سكانها بحقهم الدستوري في السفر والعودة. وهذه أسباب تُربك المحللين، وتخلط المؤشرات وتزيد مستقبل الأزمة غموضاً.
أسباب غير صحيحة:
-
حجم الدولة: التجربة الصينية تنفي أن الدول الكبرى كانت أقل نجاحاً. فقد نجحت الصين وفشلت الهند وأمريكا، ونجحت ألمانيا وكوريا الجنوبية، وفشلت بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرازيل.
-
جنس القائد: نشرت مجلة "فوربس" مقالاً طريفاً تناقلته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وفيه ادعت الكاتبة "أفيفا ويتنربرج" أن القيادات النسائية كانت أكثر نجاحاً في التعاطي مع جائحة"كورونا"، وضربت أمثلة بألمانيا والدانمارك وفنلندا وتايوان والنرويج وآيسلندا ونيوزيلندا. ولكن نجاح دول أخرى مثل: إستونيا والأردن وجورجيا ومملكة بوتان وليتوانيا وكوريا الجنوبيةوأيرلندا يلغي هذه الفرضية.
-
عمر القائد: ذهب بعض المُحللين إلى أن الدول التي تتمتع بقيادات شابة كانت أكثر نجاحاً. وهذه فرضية معقدة لأن عمر الشباب مسألة نسبية وخلافية. فقادة كوريا الجنوبية والصين وألمانيا وتايوان في منتصف الستينيات من العمر، بينما ما زال الرئيس الفرنسي في الثانية والأربعين، ورؤساء وزراء كندا وإسبانيا في منتصف الأربعينيات.
-
الديموقراطية مقابل الديكتاتورية: تسبب فشل إدارة "ترامب" للأزمة ونجاح غريمه الصيني "تشي بينج" في الادعاء بأن الدول الديموقراطية ترددت في التعامل مع جائحة"كورونا" وكانت استجاباتها بطيئة، وهذا أيضاً غير صحيح. فقد فشلت روسيا وإيران وفيها نظم حكم أوتوقراطية مثل الصين، ونجحت سويسرا الديموقراطية رغم وقوعها بين فرنسا وإيطاليا الفاشلتين. بالمقابل، حققت نيوزيلندا نجاحاً مشهوداً مقارنة بأستراليا المجاورة، ونجحت تايوان أكثر من الصين، رغم تباين النظام السياسي بينهما. ومن ملاحظاتي أن الدول التي أخفقت في مواجهة جائحة "كورونا" هي الأكثر ميلاً إلى تسييس الأزمة بسبب أزماتها الداخلية والانتخابية أو الحزبية ومنها: أمريكا وروسيا وتركيا وبريطانيا والبرازيل وإيران والهند.