أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

الجائحة ونظرية المؤامرة

بقلم : نسيم الصمادي 2020-04-16

بلغ الغباء بالكثيرين حداً جعلهم يتهمون "بل جيتس" بأنه جزء من مؤامرة "كورونا" لأنه تنبأ بالوباء. الحقيقة أن "جيتس" لم يتنبأ بــ"كوفيد 19" ولا بغيره، وكل ما فعله هو تخصيص مليارات الدولارات لمكافحة الأوبئة حول العالم، وقد وجه معظمها إلى قارة أفريقيا بسبب فقرها وما تعانيه من موت ومرض بسبب الأوبئة. ولأنه يستند في قراراته إلى مصادر موثوقة، فهو يكلف مراكز أبحاث علمية عالمية معتمدة بإجراء دراسات ووضع سيناريوهات لمواجهة كل الاحتمالات والتنبؤات.
 
كما أن "بل جيتس" لم يكن أول ولا آخر من تنبأ باجتياح الفيروسات القاتلة للعالم. فقد سبقه العالم الإنجليزي "مارتن ريس"، و"ستيفن بترانك" الذي نشر محاضرته على موقع TED قبل "جيتس" بعشر سنوات على الأقل، ولحقه "ديفيد كوامين" و"روزالين إيجو" أيضاً. ورغم ذلك لم يُتهموا بالتآمر على مستقبل البشرية.
 
ظاهرة اتهام المشاهير هي مجرد ركوب للموجة ومحاولة لتحقيق الشهرة بالصعود على أكتافهم. عندما لا يجد أحدهم ما يستحق النشر على يوتيوب، ينشر قائمة بأفضل خمسة كتب رشحها "بل جيتس"، ثم يُلحقها بقائمة أفضل عشرة، ثم أفضل مائة كتاب، وقد يخرج أحدهم بقائمة أفضل مليون كتاب، وهكذا. عندما يقرأ "بل جيتس" كتاباً عظيماً، فإنه لا يتردد في الكتابة عنه، ثم ينشر كتاباته الجادة ممهورة بتوقيعه. كتب منتقداً بعض طروحات الفرنسي "توماس بيكيتي" في كتابه "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" فضاعف من شهرته. وكتب مشيداً بكتاب "مغامرات الأعمال" لــ"جون بروكس" فدفعه إلى صدارة أكثر الكتب مبيعاً بعدما كان مجهولاً نظراً لصدوره قبل نصف قرن.
 
يعتمد "جيتس" على المنهج العلمي في تحليلاته واستنتاجاته، ولا يُطلق الكلام على عواهنه. فهو عبقري من حيث العقلية، ومتواضع من حيث الشخصية، هادئ في طروحاته، وصامت في مواجهة منتقديه. فقد دفعته شخصيته الموضوعية والاستشرافية قبل ثلاثة عقود إلى إنقاذ شركة "أبل"، ومساعدة منافسه الأول "ستيف جوبز"، بعدما تعثرت "أبل" إثر تنحية "جوبز" منها، وبعد عودته إليها.
 
لهذا السبب، ولأسباب علمية أخرى عمدنا إلى تلخيص كتاب "الجائحة" للمؤلفة الأمريكية الهندية "سونيا شاه". فهي باحثة علمية واستقصائية جابت قارات العالم الخمس لتؤلف كتاباً واحداً. وألقت محاضرات في جامعات "هارفارد" و"كولومبيا" و"جورج تاون" و"براون" و"إم آي تي" وغيرها، وحصلت على إفادات رافدة من أساتذة وباحثين مرموقين، كان أحدهم زوجها الدكتور "مارك بولمر" المتخصص في بيئات الأحياء الدقيقة.
 
ما يحدث في عالمنا اليوم ليس جديداً ولا مستغرباً. ترى الدكتورة "سونيا شاه" أنه في كل جائحة تجتاح العالم، هناك أنماط سلوكية تتكرر، فنرتكب نفس الأخطاء، مدفوعين بالأهواء والمواقف السياسية والغباء، ثم تأتي الضغوط الاقتصادية، والانتهازية، وتغيب القرارات الأخلاقية والإنسانية، وتتحول الأزمات إلى فرص استثمارية (بيزنس)، وحروب إعلامية، واتهامات متبادلة، وأكاذيب يتداولها العامة من دون علمٍ أو وعي. فيختلط العلم بالخرافة، والطب بالشعوذة، والحقائق بالأوهام، والدواء بالهراء. وتتحول المشكلة الفعلية إلى قضية هامشية، ويعلو صوت الأكبر والأقوى والأغبى من ذوي المصالح وتجار الكروب والحروب.
 
في أثناء الأزمات الوبائية المتوالية لا يبقى أمامنا سوى ثلة من المخلصين؛ علماء وأطباء وخبراء وسياسيين ومتطوعين ومتبرعين. ولا أرى في "بيل جيتس" المُحسن المتهم إلا واحداً منهم. وهذا ما دفعني إلى القول: "أرى في العالم سبعة مليارات فيروس وكورونا واحد، فليتلمس كل منا تاجه". مشاكل العالم تبدأ من الإنسان قبل الحيوان، وعلينا دائماً أن نعود إلى رؤوسنا لنفكر فيما فعلنا وقدمنا للإنسانية، قبل أن نتهم المبادرين والمبدعين والمحسنين.

بقلم : نسيم الصمادي