أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

هل سنبقى متخلِّفين إلى الأبد؟

بقلم : نسيم الصمادي 2019-09-01

تعرَّفت مؤخراً إلى موقع كتاب صوتي KitabSawti.com الذي يتطوَّر بسرعة ليصبح أكبر موقع عربي للكتب الصوتية. اتصل بي القائمون على الموقع يعرضون التعاون مع Edara.com، وبعد دراسة محتواهم عرفت أنهم من أفضل المواقع العربية في عرض محتويات التسجيلات المعرفية الصوتية، فهم يتميَّزون كما نتميَّز في مجالنا من خلال ملخصات الكتب الإدارية والتربوية والمقالات الحديثة التي تغطِّي اتجاهات الفكر العالمي عبر مقالات: المختار الإداري وعلاقات.
 
ما دفعني إلى الكتابة عن تجربة "كتاب صوتي" ليست الشراكة الاستراتيجية التي رحَّبنا بها فقط، ولكن ما تنامى إلى علمي من أن مؤسِّسي الموقع هما مبادران من دولة السويد الاسكندنافية الشقيقة. بدأت التجربة كمبادرة تعليمية عندما كلِّف أحدُ الرياديَّيْن بتوفير محتوى عربي صوتي لتعليم السوريين والعرب المهاجرين إلى السويد وغيرها من الدول الأوروبية، وعندما أدرك بحِسِّه الإنساني أن المحتوى العربي ثري ومشتَّت؛ بادر إلى تأسيس الموقع بالتعاون مع فريق أجنبي وعربي ينتشر في ثماني دول، ويوزِّع إنتاجه على مستوى العالم.
 
عندما فكَّرت بالبعد الاستراتيجي للتعاون مع "كتاب صوتي" تساءلت: لماذا يتأخَّر العرب دائماً في مبادرات المشروعات الابتكارية عموماً، وفي المشروعات المعرفية خصوصاً؟ كنَّا نستورد السيارات والصواريخ والمفاعلات النووية وسجاجيد الصلاة وفوانيس رمضان وكل السلع الاستهلاكية تقريباً، وصرنا نستورد المعرفة بكل اللغات، بما فيها لغتنا العربية!
 
نشرت في ثمانينيات القرن الماضي كتاباً بعنوان: "دائرة المعارف العربية: أزمة فكر لا أزمة نشر"، متناولاً أسباب فشل العرب في إصدار موسوعة عربية نقية تعبِّر عن ثقافتنا وقيمنا ونظرياتنا ونظرتنا وفكرنا وتلخِّص تاريخنا وتؤشِّر على مستقبلنا، من دون الاستناد إلى تجارب أجنبية مترجمة، ويتراءى لي اليوم أن أزمتنا لم تكن ولم تستمر كأزمة فكر فقط، بل هي أزمة حضارية تطال الضمير والقيم والثقافة وتؤكِّد عجزنا عن التخطيط والتنفيذ واستشراف المستقبل أيضاً.
 
في عام 1990، وبعدما راودتني فكرة تأسيس دار نشر تُعنى بنقل الفكر العالمي في مجالات الإدارة والأعمال والتربية واستراتيجيات المستقبل إلى اللغة العربية، بحثت عن برامج للنشر المكتبي باللغة العربية لاستخدامها في إعداد ملخصات الكتب، وتوفير تكاليف الإنتاج من تحرير وتصميم وطباعة، وكان أفضل ما عثرت عليه برنامج أمريكي يعمل باللغة العربية ويحمل اسم (الكاتب الدولي) وقد طوَّرته شركة ريادية أمريكية في مدينة "بروفو" بولاية "يوتاه". اشترينا البرنامج واستخدمناه بنجاح لعدة سنوات قبل أن نتحوَّل لتطبيقات النشر المكتبي الخاصة بشركة "أبل"، ومن الواضح أننا ما زلنا نستورد كل معطيات التكنولوجيا العالمية وحلولها الذكية، من تطبيقات وأدوات وأجهزة وبرامج وخبرات واستشارات، وكأننا لا نريد أن نتمتَّع بأيِّ شكل من أشكال الاستقلال، أو الاكتفاء الذاتي على الأقل.
 
فما السبب يا ترى؟
هناك أسباب كثيرة يصعب حصرها، وقد كتب فيها مفكرون كثيرون، منذ بدايات الاستقلال في النصف الأول من القرن العشرين، وحتى اليوم. يشير بعض المفكرين إلى أن تخلفنا يرجع إلى افتقادنا الحرية وانهماكنا في صراعات داخلية وإقليمية ودولية لا تنتهي، ووضع أولويات البقاء قبل دوافع المنافسة والتقدم، إلا أنني أرى أن عدم تحركنا إلى الأمام يرجع إلى أسباب أخرى لم ينتبه إليها كثيرون.
 
أرى أن انشغالنا في الصراعات الدينية والسياسية والعرقية والقبلية، حرمنا من المنافسة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، حتى مرَّت العولمة وتجاوزتنا ونحن نلهو في اللعب على هامش التاريخ وخارج المستقبل. تقدَّمت الدول التي لا تملك أرضاً مثل اليابان، ولا موارد مثل كوريا، ولا تاريخ مثل أمريكا، ولا سكان مثل نيوزيلاندا، ولا شمس مثل السويد، ولا شعب مثل إسرائيل، ولا تجانُس مثل سنغافورة، ولا استقلال مثل هونج كونج، ولا بترول مثل الهند، ولا ديمقراطية مثل روسيا، ولا دين مثل الصين، وبقينا غافلين وعاجزين عن إضافة قيمة إلى أنفسنا وعالمنا.
 
أرى أن أحد أسباب تأخُّرنا هو مواردنا الطبيعية التي تنبع من الأرض فنتواكل أكثر مما نتوكَّل، فلا نضطر إلى استثمار مواردنا العقلية، والسبب الثاني هو أننا نعيش في منطقة وبيئة متصالحة مع الطبيعة ومتنافرة مع ذاتها، فلا براكين متفجرة ولا أعاصير مزمجرة ولا زلازل مدمرة ولا ثلوج معمرة. كنَّا تلك الأمة التي لا تأكل مما تزرع، ولا تلبس مما تصنع، وما زلنا نفس الأمة التي لا تكتب ما تقرأ، ولا تُنتج ما تسمع. أمة هامدة وخامدة لا تستطيع، أو لا تريد، أن تبدع.

بقلم : نسيم الصمادي