أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

دور السياسات في تغيير مستقبل المجتمعات

تحسين السلوك من خلال السياسات العامة وفق آلية عمل المخ

بقلم : شادي الخطيب - صالح الحموري 2019-03-26

مع انتهاء عصر البيروقراطية التقليدية للإدارة الحكومية والتحول إلى الحكومة الرقمية، أصبح من الواجب أن نتساءل:
ما استعدادات الحكومات للعصر الجديد؟
هل يمكنها التحول إلى أسلوب الإدارة بالسياسات؟
هل يمكن التعاطي مع كل السياسات الحيوية وعلى كافة الأصعدة لتطوير إدارة حكومية تستطيع التعامل مع تحديات القرن الجديد؟!.
 
لقد حان الوقت أن تضع الحكومات دليلاً متخصصاً للسياسات مع التركيز على رفع القدرات لدى صناع القرار بكيفية إعداد ومراجعة السياسات، مع نشر هذا المفهوم وبشكل أفقي على جميع المؤسسات العامة. فبعد مرور ثلاثة عقود من الزمن على إعادة اختراع الحكومة، علينا أن نعترف أن الحكومات صادفت بعض النجاح وبعض الفشل، وعلينا إلقاء نظرة فاحصة على الوسائل الحديثة لتطبيق السياسات الحكومية وإيجاد حلول للمشكلات التي تواجه التطبيق، لخدمة مواطنينا ومجتمعاتنا بشكل أفضل.
 
يتحدث العالم اليوم عن ضرورة وضع سياسات عامة استباقية للتحكم في السلوك بناء على آلية عمل المخ، وهي من أصعب السياسات لدى متخذي القرار، لأنها تُبنى على معطيات استشرافية وإدراكية لطبيعة السلوك، والإرهاصات الاجتماعية والنفسية والثقافية والاقتصادية. حيث تضع كل سياسة افتراضات بشأن السلوك البشري. وعادة ما تدعم السياسات العامة الأنشطة التي تستحق التشجيع وتقوم بالدعاية لها، وتعوق السياسات التي تريد قتلها في مهدها وإلغائها تماماً.
 
تكمن خلف هذا النهج فكرة أن السلوك البشري ينشأ عن اختيار “عقلاني”: بمعنى أن الفرد يزن اختياراته بدقة، ويأخذ في حسبانه كل المعلومات المتاحة والمتيسرة، ويتخذ قراره بنفسه. وتركز السياسات المنطلقة من هذا المنظور على تغيير المنافع والتكاليف الناجمة عن أفعال الأفراد، وقد ثبتت فعاليتها في العديد من المجالات.
 
غير أنه خلال العقود الأخيرة، ألقت البحوث المتعلقة باتخاذ القرار بظلال من الشك حول مدى تحديد الناس لاختياراتهم بهذه الطريقة. وجاءت "السياسات القائمة على أساس فهم أكثر لكيفية تفكير البشر وسلوكهم" لتبشر بالكثير، ولاسيما فيما يتعلق بمعالجة أصعب التحديات الإنمائية، مثل زيادة الإنتاجية، وكسر سلسلة الفقر الذي ينتقل من جيل إلى جيل. فالمهم ليس مجرد تحديد السياسات المراد تنفيذها، بل وكيفية تنفيذها أيضاً.
 
وهذه أحدث التوجهات والتقنيات المبتكرة في عملية تطوير وتنفيذ السياسات العامة:
1- البيانات الحكومية المفتوحة: توافر البيانات الحكومية بشكل مجاني للجميع لتعزيز الشفافية والمسائلة والكفاءة والمشاركة المجتمعية.
 
2- البيانات الضخمة: توافر حجم كبير من البيانات بشتى الأنواع والأشكال والتفصيل والدورية.
 
3- التعهيد الجماعي: أداة مشاركة مجتمعية على الانترنت للمساهمة في الأفكار والمقترحات مثل وسائل التواصل الاجتماعي.
 
4- التفكير في التصميم: صياغة قرارات وبدائل السياسة بالتركيز على المستخدم النهائي من خلال التجارب والاختبارات.
 
5- المنهجيات السلوكية: استخدام مخرجات العلوم السلوكية من خلال فهم سلوك الأفراد وقراراتهم في الواقع العملي.
 
6- المحاكاة والألعاب: توقع سلوك الأفراد ووضع خطط للتعامل معها بهدف التعليم والبحث والتدخل الحكومي.
 
7- تحليل الأفق واستشراف المستقبل: أداة لتحليل المستقبل من خلال قياس تأثير التوجهات والتطورات الناشئة على السياسة.
 
8- مقاييس لتحقيق سعادة المجتمع وجودة الحياة: مواءمة السياسات الحكومية لتحقيق سعادة المجتمع.
 
أمثلة على المنظور السلوكي والاجتماعي للسياسات العامة
- معالجة الفقر: الفقر ليس مجرد حرمان من الموارد المادية. فضغط الفقر وإجهاده يفرضان “ضريبة” على الموارد الإدراكية. ويجب على صناع السياسات أن يحاولوا إخراج القرارات ذات الأهمية البالغة عن سياقها الزمني عندما تكون الموارد الذهنية شحيحة بوجه خاص.  فهي تستطيع، مثلاً، نقل قرارات الالتحاق بالمدارس إلى الفترات التي يرتفع خلالها الدخل الموسمي للمزارعين الفقراء. 
 
- الحوافز الاجتماعية: يمكن للحوافز الاجتماعية أن تكون بنفس فاعلية الحوافز الاقتصادية. فإبلاغ الناس بمقدار ما يستهلكونه من الطاقة مقارنة بجيرانهم يؤدي إلى انخفاض متوسط الاستهلاك. والإشادة علانية بمن يحافظون على المياه وتأنيب من لا يحافظون عليها يمكن أن يساعد مدينة ما في اجتناب حدوث أزمة في إمدادات المياه لأن الناس يميلون أكثر إلى الاقتصاد في استهلاك المياه عندما تكون لديهم تأكيدات بأن الآخرين سيفعلون مثلما فعلوا. 
 
- الترفيه والتثقيف: فالبرامج التليفزيونية والإذاعية التي تحتوي على رسائل اجتماعية يمكن أن تقلل من تفاقممشكلة اجتماعية معينة، وتحسن نسب الادخار، وتزيد من استقلالية المرأة.
 
- تغيير السلوك: قامت شركت كهرباء ومياه دبي بإيجاد آلية للمقارنة تبين مقدار استهلاك المواطن من المياه والكهرباء مقارنة مع مثيله الذي يقطن في منزل مشابه، وبيان مدى البصمة البيئية التي يخلفها مقدار الاستهلاك.
يهدف هذا المقال إلى إلهام الباحثين والممارسين والسياسيين والقادة الذين يستطيعون المساعدة في استكشاف إمكانيات وحدود مجموعة جديدة من السياسات العامة لإسعاد المواطنين والمتعاملين وزيادة فاعلية الإدارة الحكومية في إدارة المجتمعات من خلال ابتكار أذكى السياسات.

بقلم : شادي الخطيب - صالح الحموري