أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

كتاب "21 درساً للقرن 21" وسقوط "يوفال هراري"

بقلم : نسيم الصمادي 2018-10-02

في مسيرتنا التلخيصية للكتب، والتي أكملت هذا الشهر 26 عاماً، أحجمنا عن تلخيص بعض الكتب لأسباب موضوعية تتعلق باحترام القارئ. لم نُلخّص كتاب "السر" وهاجمناه بشدة، ورفضنا تلخيص كتب "برايان تريسي" الذي اقتدى به "طارق سويدان"، فكان "تريسي" ينشر كتباً تجارية يتم تجميعها من شتات الأفكار ليصدر كتابين على الأقل كل عام، ولنفس السبب تجاهلنا كتب "جون ماكسويل" الأولى ولم نأبه إلا بكتبه الأخيرة التي نشرها في مرحلة نضجه وتركيزه.
"يوفال هراري" مؤرخ إسرائيلي متخصص أساساً في التاريخ العسكري، وقد ذاع صيتُه بعدما حصل على الدكتوراه من جامعة أكسفورد وهو في السادسة والعشرين، وبعدما تُرجم كتابه الأول "العقلاء" من العبرية إلى الإنجليزية عام 2014، وحقق نجاحاً مشهوداً بما انطوى عليه من منهجية علمية استوحت منهجيات علم النفس التطوري. الكتاب رائع فعلاً وقد لخَّص تاريخ البشرية وصعود الإنسانية في حوالي 500 صفحة، رغم بعض التلميحات التي حاول فيها الإيحاء بأن اليهود قوم متفردون ولهم تاريخ مدهش، رغم أن هذا ينطبق على كل الأمم والشعوب، وما زالت تحيزات "هراري" واضحةً في كتبه الجديدة رغم ادعائه الليبرالية ودفاعه عن العلمانية، ما يعني أن كتابه الأول يلخص الماضي بشيء من الموضوعية فرضتها أبحاثُه الأكاديمية.
وفي كتابه الثاني "سادة الكون" - لخصناه لصالح أحد عملائنا الكبار - يمزج بين الأسطورة والتكنولوجيا بمنهجية استشرافية، حيث يرى أن البشرية يمكن أن تفقد معنى وجودها ما لم تُعِد توجيه مسيرة التاريخ نحو المصير الذي تريد، وكأن البشر قد أكملوا مهمَّتهم الكونية لتحل مكانهم كائنات قادرة على التكيف والتراكم واستجماع قواها حول ما يسميه "عقيدة البيانات"، التي تعتبر الإرادة أهم ما في الكون، وتدفع البشر إلى تطوير تقنيات تتحكم بالإرادة وتعيد تصميمها، لأن الخبرات والتجارب الإنسانية هي المصدر الأقوى للسُّلطة، وبالمقابل تسعى نسخةٌ أكثر جرأةً من هذه العقيدة إلى قطع صلتها بالبشر وصناعة عالم لا يأبه بالرغبات الإنسانية، وهذا يعني أن البشرية لن تُصّمم برمجياتها فحسب، بل وستصنع الأجهزة التي تقرر مصيرها وتكون سيدة نفسها أيضاً، ولن ينجو من سطوة العقيدة البياناتية سوى نفر قليل من البياناتيين الذين يسيطرون على العالم برمته، فإذا كان 1% من المليارديرات يملكون 99% من ثروات العالم، فإن ما لا يزيد عن عشرة فقط من "المعلوماديرات" أي مليارديرات المعلومات سيتحكمون بكل بيانات العالم ويحتكرون آليات توجيه المستقبل.
استناداً إلى عمق الكتابين السابقين، عمدنا إلى تلخيص كتاب "21 درساً للقرن 21" لنُفاجَأ بأنه لا يختلف عن كتب "سويدان" و"تريسي". الكتاب يجمع شتاتاً من المقالات في موضوعات لا رابط بينها، وحيث سبق نشرها في صحف ومجلات متنوعة، يأتي الكتاب مليئاً بالتناقضات، ليس فقط مع ما طُرِح في كتابيه السابقين، ولكن في ثنايا فصول الكتاب نفسه، فهو يؤكد مثلاً، أننا لسنا بحاجة إلى المزيد من العقلانية والمنطق، ثم يعود ويقول: "إذا كنت تريد حقائق ومعلوماتٍ دقيقة فعليك أن تدفع ثمنها، لأن المعلومات الرخيصة والمجانية تحولك من إنسان إلى سلعة قابلة للتداول"، فما حاجتنا إلى مصادر المعلومات الدقيقة، ونحن نتحوَّل إلى كائنات بلا عقل أو رَوِيَّة!؟
ولا ينسى "هراري" أن يَرْكب موجةَ الهجوم على الذكاء الاصطناعي الذي يُهدّد البشرية بالبطالة، ويُلغي الدور الوظيفي للإنسان، وهذه توقعات تفتقر إلى الرؤية والمصداقية، فزيادة الإنتاجية حتى من خلال الروبوتات من النعم التي تنتظرها البشرية، وهي نتاج عقل الإنسان المبدع والمبتكر.
وأخطر ما يطرحه الكتاب في تصويره للواقع هو أننا نواجه ارتباكاً غير مسبوق، وأن الفوضى والقلق يسيطران على كل مناحي حياتنا، ويرى في هذا خطراً يجب معالجته بالتأمل فقط، وبمزيد من الليبرالية والفكر العلماني، ويختم كتابه بعدد من الكلاشيهات المستهلكة، ومنها أن: "التغيير هو الثابت الوحيد في هذا العالم"، وهذه مقولة تاريخية أطلقها "هيراقليطس" قبل أن يُتحفنا "سقراط" بمنطقه وجدلياته! والغريب أن مؤرخاً وفيلسوفاً مستقبلياً مثل "هراري" لم يساعده منطقه على استنتاج أن الغموض والارتباك والحيرة التي تواجهها الإنسانية، هي ديدن البشرية على مر العصور، وهي الدافع الأول للتحدي، وخروج الإنسان عن المألوف وتجاوزه للمعروف، ليمزج بين طروحات العقل والخيال، ويكسر قواعد المنطق، في سبيل تفعيل الطاقات البشرية وتحويل التفكير الإبداعي إلى ابتكارات تمكننا من مواصلة رحلتنا رغم التحديات التي تواجهنا، كما واجهت أسلافنا، وكما ستواجه أحفادنا.
كتاب "هراري" مشوش ومتناقض وسطحي، ولا يختلف كثيراً عن كتب "طارق سويدان" التي جمعها موظفوه ونشرها باسمه، ومن قرأ مقالات "هراري" في "نيويورك تايمز" و"بلومبرج" وغيرها، فليس بحاجة أبداً إلى شراء وقراءة هذا الكتاب.
نسيم الصمادي

بقلم : نسيم الصمادي