أتوقع أن يفوز أحد أبناء المهاجرين الهنود بمنصب رئيس الولايات المتحدة قبل عام 2050، أي خلال جيل واحد من الآن. فمع تعيين سوندار بيشاي رئيساً تنفيذياً لشركة جوجل أصبحت كل الطرق تؤدي إلى قمة الهند وامريكا أمام أبناء أكبر دولة ديموقراطية في العالم.
يعمل سوندار في جوجل منذ 11 عاماً، وكان مديراً لقسم أندرويد الذي يشغِّل 80% من موبايلات العالم. وعندما حاولت شركتا ميكروسوفت وتويتر اختطافه في عام 2014، رفعت جوجل راتبه إلى 50 مليون دولار في العام، ومن المرجح أن يصل دخله السنوي إلى 100 مليون دولار بعد المنصب الجديد، ليتجاوز راتب رئيس ميكروسوفت المهندس الهندي ساتيا ناديلا الذي يتقاضى 85 مليوناً.
تشير التقديرات إلى أن رواتب 50 من المديرين التنفيذيين الهنود الذين يقودون شركات أمريكية تتجاوز ملياري دولار في العام. فإذا أضفنا رواتب المهندسين وخبراء التقنية فقط، فإن دخولهم السنوية تتجاوز كل تحويلات المصريين في الخارج والتي لا تزيد عن 20 ملياراً، أو خمسة أضعاف تحويلات الأردنيين التي تبلغ 4 مليارات دولار.
على الرغم من أن صعود سوندار بيشاي إلى قمة هرم جوجل يثير الدهشة، فإنه ليس فرداً وحده. فقد أشرنا إلى ناديلا الذي يقود ميكروسوفت، وهناك السيدة إنديرا نويي رئيسة شركة بيبسي، وشانتاو نارايين رئيس أدوبي، وأجاي بانجا رئيس ماستركارد وفيكرام بانديت رئيس سيتي جروب، ويقابله آنشو جين رئيس دويتش بنك، وغيرهم العشرات في الهند وامريكا.
فما هي سياسة الهند وما الذي مكَّن هؤلاء الشباب الهنود الذين تتراوح أعمارهم بين منتصف الأربعينيات والخمسينيات من قيادة العالم؟
في كتابه عالم ما بعد أمريكا يقول الهندي أيضاً فريد زكريا صاحب البرنامج الشهير في سي إن إن ورئيس تحرير مجلة تايم: "لقد عملت أمريكا على عولمة العالم، ونسيت أن تعولم نفسها"، فأمريكا التي علَّمت العالم صارت أكثر تواضعاً، وعادت لتتعلم. وفي هذا أوضح تفسير لهذه الظاهرة الهندو-أمريكية. ففي مقال لي عن الهند وامريكا بعنوان الهنود قادمون نشرته عام 2009، أشرت إلى قائمة بأسماء أكثر مفكري الإدارة العالمية تأثيراً، وكان من بينهم ستة هنود. وفي ذلك العام احتلت الهند المرتبة الثانية بعد أمريكا في عدد فلاسفة الإدارة العظماء، بينما احتلت بريطانيا التي استعمرت الهند لعدة قرون المرتبة الثالثة بعد المعلمة: الهند. وحتى لا ننسى فقد جاء على رأس قائمة الهنود المرحوم براهالاد مؤلف كتاب التنافس على المستقبل، وراما تشاران مؤلف كتاب التنفيذ، فما سر سياسة الهند وتألق الإدارة الهندية يا ترى؟
في كتابهم نهج الهند يحدد مؤلفوه الأربعة وهم من أساتذة كلية وارتون للأعمال المرموقة، أربعة أسباب توضح سياسة الهند وتفوق الإدارة الهندية، وهي: العمل الشاق والاندماج الكلي في العمل، وسرعة التكيف مع المتغيرات، وتحقيق إنجازات عظيمة بموارد محدودة، والتركيز على المجتمع والأسرة والموظفين أكثر من حملة الأسهم. ومن خلال احتكاكي بالمديرين الهنود في الإمارات، وعبر نادي الخطابة الذي أشاركهم فيه، أرى أن أسرار نجاحهم تتلخص في: ثقافة المشاركة والتواضع وقبول الآخر والجَلَد والمثابرة وقيم الالتزام وأخلاق العمل، فضلاً عن نظام التعليم التنافسي الذي يهتم بالرياضيات والهندسة والعلوم، والتنافس الأكثر ضراوة في سوق العمل. ففي حين نجد معونات في أمريكا وأوروبا للعاطلين عن العمل، ورواتب للخريجين العاطلين في السعودية، وأجهزة تعليم ذكية للطلاب في الإمارات، وتعيين وتوريث لأبناء المسؤولين في مصر، وواسطات ومحسوبيات في التعيينات والترقيات في الأردن، لا نجد شيئاً من هذا في سياسة الهند والبيروقراطية الهندية الجديدة التي اكتسحت العالم.
في الهند عليك أن تحقق ذاتك بمجهوداتك، وتحقق أعظم الإنجازات في حياتك بكل تواضع وثقة. فعندما سُئلت المراهقة الهندية جوبال عن سر تفوقها قالت: "كلما زادت محاولاتي، زاد حظي". أما ساكشام كاروال ابن الخمسة عشر ربيعاً فقال: "يجب أن أدخل معهد الهند للتكنولوجيا، ثم أستكمل دراساتي العليا، وأعمل في شركة عالمية مرموقة". الجدير بالذكر أن المعهد الذي يقصده كاروال هو نفس الجامعة التي تخرج فيها رئيس جوجل الجديد سوندار بيشاي قبل 20 عاماً.