أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

صرخة "يورغان كلوب" الصامتة والسر الوحيد للنجاح

بقلم : نسيم الصمادي 2019-06-03

بعد فوز ليفربول الإنجليزي ببطولة أوروبا مباشرةً، سمعت المدرب الألماني يقول: "في العادة، أكون نصف مخمور تقريباً بعد عشرين دقيقة من انتهاء أي مباراة، أما اليوم فلم أتناول حتى الآن سوى الماء".
 
لا يختلف خبراء القيادة وعرَّابو كرة القدم حول ما يتمتع به "كلوب" من كاريزما وطاقة إيجابية وجرأة في التخطيط واتخاذ القرار، وبساطة في التواصل، فضلاً عن ابتسامته الساحرة وتواضعه الذي يتحول في المباريات من سلوك مؤثر إلى سلاح مدمر، وها هو يعترف بأن ضغوط المسؤولية والنتائج التي عليه أن يتحملها تدفعه إلى الاستعانة بأسلحة الكيمياء والمؤثرات العقلية الخارجية، في مواجهة شراسة الواقع بكل تداعياته، ويبدو -وهذه نقطة ضعف- أنه يفعل ذلك أمام أعضاء الفريق، وليس في خلواته وسكناته.
 
تناول الكحول هو نمط حياة لدى الأوروبيين عموماً، والألمان خصوصاً، ولكنه ليس سلوكاً قيادياً معتاداً، أو على الأقل، مقبولاً بالنسبة إلى قائد يُنظر إليه بإعجاب، ويَقتدي به الجميع حول العالم، لا سيما أعضاء فريقه الفني والإداري.
 
فما الدرس الذي يمكن استخلاصه من نجاحات "كلوب" واعترافاته؟
الدرس الأكثر وضوحاً طبعاً، هو أنه لا يوجد قائد مثالي، فلكل إنسان نقاط ضعفه وطاقته المحدودة في مواجهة النجاحات والانتكاسات. كل القادة يخافون ويهتزُّون ويَضعُفون، ويضطرون إلى البحث عن مهارب للانفصال عن الواقع، ومداخل للعودة إلى خوض معاركهم وتحقيق أهدافهم بالبحث عن انتصارات، أو تلقِّي هزائم جديدة. ليس هناك قائد أو إنسان مثالي متوازن تماماً، أو قادر على تحمل كل النتائج بمفرده، رغم كل ما منحه الله من مواهب وقدرات فطرية وطاقات إيجابية. تقول "جينا أمارو رودن": "العبقرية ليست هبة أو موهبة، بل هي اختيار وقرار".
للنجاح المُستدام وتحقيق النتائج على الدوام، ركيزتان أساسيتان هما: الشغف والهدف، وعندما فكَّرت في أن أحدد أهمية وأسبقية كلٍّ منهما، خلُصت إلى أنهما شيء واحدُ. نعم شيء واحد، وأنت أيضاً شيء واحد، وهذا الشيء -في رأيي- هو سر الدقائق العشرين التي تسرق من "يورغان كلوب" نصف وعيه، وهو يعاني ويحاول أن يعيش شغفه لكي يحقق هدفه.
فما ذاك الشيء الواحد الأوحد الذي عليك كإنسان أو مدير أو قائد أن تعرفه؟ وهل هناك عملٌ واحد يمكنك - بل وعليك، أنت فقط - أن تفعله حتى وإن أحجم العالم برمَّته عن فعله؟
 
قد تظن للوهلة الأولى أن إجابة هذا السؤال صعبة أو حتى مستحيلة، ولكنها أبسط مما تظن. لأن لكل إنسان مزيجه الخاص الناتج عن اختلاط وضرب شغفه بهدفه، فلا بد أن تكون له إجابته الوحيدة التي تخصه دون سواه.
 
يستخدم اليابانيون في حياتهم ولغتهم كلمة "إكيجاي"، أي معنى الحياة، أو السبب الذي يحدو الإنسان لينهض متفائلاً كل صباح، وينطلق مُحلقاً ومحاولاً أن يُسبِغَ على حياته معنى، وقد نشر كلٌّ من "هيكتور غراسيا" و"فرانسيس ميراليس" كتاباً بنفس العنوان (Ikigai) والمعنى، فسَّرا فيه سر ارتفاع نسبة المُعمرين اليابانيين؛ السعداء والأصحاء، لا سيما بين سكان جزيرة "أوكيناوا". هذا يعني أنه ليست هناك استراتيجية خارجية لنكتشف السر الذي يُعطي حياتنا معنى، فالحياة ليست مشكلة علينا حلها. علينا فقط أن نُبقي في داخلنا شيئاً واحداً يَشغلنا ويُبقينا مندمجين في فعل وتنفيذ أكثر عمل في العالم نحبه ونعيش فيه، قبل أن نعتاش منه.
 
هناك سر واحد للنجاح، ولكل منا مفاتيح سره، فكِّر مثلاً في السر الذي دفع "نلسون مانديلا" ليُضحِّي بربع قرن من عمره في السجن، والسر الذي دفع "مارتن لوثر كينج" ليضحِّي بحياته في سبيل تحقيق حلمه، وسر القوة النازلة الذي حدا بالنمساوي "فيلكس بومجاتنر" في عام 2012 ليكون أول إنسان يهبط بمظلة إلى الأرض من الفضاء، وسر القوة الصاعدة الذي حدا بالنيوزيلندي "إدموند هيلاري" ليكون أول إنسان يقهر قمة إفرست في منتصف القرن الماضي.
 
يكمن السر فيما عبَّر عنه "أبراهام ماسلو" في منتصف القرن الماضي أيضاً عندما قال: "طاقاتنا الكامنة ونقاط قوتنا تصرخ بنا لنستخدمها، وتبقى تؤلمنا لعلنا نصغي لصراخها الصامت، فنحسن استخدامها. توظيف مواطن قوتنا ليس ممتعاً فقط، بل هو ضرورة إنسانية مُلحة، وهو أحد أسرار النمو والتطور"، وبنفس هذا المنحى وبذات المعنى عبر باولو كويلهو عن سر العالم فقال في رواية "الخيميائي": "كل الأشياء شيءٌ واحد" و "عندما تعيش شغفك، تحقق هدفك"، وفي كتابه العظيم: "أعظم بائع في العالم" أرى أن "أوج ماندينو" في اللفافة الرابعة من أسرار النجاح العشرة، قد سبق "باولو كويلهو" بربع قرن حين قال: "وجودك كإنسان بحد ذاته معجزة، لأنك تحمل سر عظمتك في داخلك، وجوهر السر أنك فردٌ وحدك، لم يُخلق ولن يُخلق في هذا العالم مثلُك قبلَك، ولن يُخلق فيه مثلُك بعدَك"، فلم تكن احتمالات وجودك في هذا العالم تتجاوز 1 من 500 مليون، وفي أضعف الأحوال؛ أي في ظل التلقيح الصناعي لإعادة وزيادة الإنتاج: 1 من 50 مليوناً، وبما أنك قد وُلدت ووُجدت، فمن حق العالم عليك أن تكون مثل "يورغان كلوب"، وتُطلق صرخَتك الصامتةَ لتُدوِّي وتعلو على ضجيج العالم الصاخب.
أحد أسرار الأفكار التي غيرت العالم، أنها لم تنطلق في مبدئها كأفكار لتغير العالم، بل انبثقت كأفكارٍ مجنونةٍ، وتحَوَّلت من مشاعر مكبوتة، إلى صرخات مدوية وأفعال شُجاعة ونتائج عظيمة.
 
نسيم الصمادي
مؤسس موقع Edara.com
ورئيس تحرير خلاصات
 

بقلم : نسيم الصمادي