أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

الفرق بين القائد والبطل!

بقلم : نسيم الصمادي 2017-05-02

كلنا نميل وبمشاعر عاطفية ورومانسية إلى التعاطف مع البطل، الذي نتمنى ألا يموت، وألا يغيب عن الأنظار والأذهان. ينطبق هذا على الواقع المعيش والمتخيل. شغلتني فكرة "البطولة" عندما سألني صديق عميق: "هل تستطيع الشعوب النهوض والتقدم بلا بطل؟". لم أكن متأكداً من إجابتي عندما قلت: "لا"، وجود البطل ضرورة حتمية تفرضها الفطرة الإنسانية، ومن الصعب أن تنهض الأمم بلا أبطال يُصحِّحون مسيرتها.
وبعد التفكير في هذه المسألة، ومع إدراكي أن الأبطال يعلموننا معنى البطولة، ويخلقون الروابط بيننا، ويتسامون بذواتهم فوقنا، ويداوون جراحنا، ويموتون نيابة عنا، أدركت الفرق الشاسع بين البطولة والقيادة. ولتبسيط الفكرة، يمكن القول إن كل الأبطال قادة، وليس كل القادة أبطالاً. والسبب في كثرة القادة وقلة الأبطال أن البطل يخرج عن المألوف، ويكسر الحواجز النفسية، ويعرِّض نفسه للخطر، مع التزامه الشديد بالقيم الإنسانية، وتحليه بالمعرفة والحكمة، وتفكيره بالمستقبل أكثر من الحاضر.
كنا في الماضي نقول إن المنظمات تعاني من كثرة المديرين وقلة القادة. ويمكن أيضاً أن نقول إن المجتمعات تعاني من تخمة في القادة، وندرة في الأبطال، والسبب واضح وبسيط، فالشعوب تصنع القادة، والأبطال يصنعون أنفسهم. تتم صناعة القادة في دورات متأرجحة تشبه حركة بندول الساعة الذي يرتفع، ثم يهبط، ثم يعاود الارتفاع.
قرأت مؤخراً أن "باراك أوباما" الذي صمت ثلاثة أشهر كاملة بعد خروجه من البيت الأبيض، قد أعلن عن إطلاق مبادرة لتطوير القيادات، وأنه التقى عدداً من النشطاء في "شيكاغو" لطرح مشروعه الجديد! فما الجديد في هذا؟ لم يكن لـ"دونالد ترامب" أن يصبح قائداً لولا إخفاق "أوباما" الذي انتقمت منه التيارات المعارضة والمحايدة، وأرسلت أشرس أعدائه إلى السلطة، وهذا ما سيحدث قريباً مع "أردوغان" الذي قاومته المدن المتحررة، وساندته القرى المتناثرة، وهو يغض الطرف عن حركة بندول الساعة الذي وصل إلى القمة، فبدأ يتجه نحو الهبوط.
وفي فرنسا يتكرر نفس السيناريو ليؤكد أن القائد الذي لا يموت، ينتحر. فبعد سنوات من قيادة  "فرانسوا أولاند" الباهتة، ينقسم الفرنسيون إلى نصفين: نصف يناصر اليمين المتطرف، ونصف يعمل برد الفعل ويضطر إلى مساندة "إيمانويل ماركون" الذي سيواجه نفس المصير بعد خمس سنوات من الحكم المحتمل لفرنسا، فالتيارات الجماهيرية اليائسة التي ستندفع من اليسار والوسط، ستعود لإسقاط قائدها الذي لم تؤمن ببطولته حقاً، بل صنعته بسبب عجزها عن مواجهة اليمين المتطرف.
هذا ما يحدث في دورات صنع القادة، الهروب من اليسار يأخذنا إلى اليمين، كما حدث عندما صوَّت البريطانيون لصالح الانسلاخ عن أوروبا، والهروب من اليمين يأخذنا إلى اليسار، كما حدث مع فشل "جورج بوش" الذي جاء بـ"أوباما". البطولة ماركة مسجلة وصناعة ذاتية، أما القيادة فماركة مستوردة وصناعة شعبية، فمن يقذفه اليمين يتلقفه اليسار، ومن يلفظه اليمين، يحتضنه اليسار، وهكذا.
بقلم: نسيم الصمادي

بقلم : نسيم الصمادي