أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

سوق التدريب بين الواقع والمأمول

بقلم : حسين الغامدي 2016-08-15

لا شك أن التدريب هو إحدى الأدوات الرئيسة في تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث إن الرؤية تبقى رؤية ما لم تتمخض عنها مبادرات ومشاريع تحولها إلى واقع ملموس، وهذه المبادرات والمشاريع لن تتحقق في الواقع من نفسها، أو بمصباح علاء الدين السحري! بل تحتاج إلى قيادات قادرة على تحفيز فرق العمل لطرح المبادرات وإنجاز المشاريع. 
الجانب الفني من تطبيق الأنظمة والإجراءات مهم وهو دور الإدارة، ولكن تحفيز الناس وفن التعامل معهم لتحقيق الأهداف الموضوعة لا يتم إلا من خلال وجود قائد فذ؛ فالقيادة كما عرفها "جون ماكسويل" هي التأثير؛ لا أقل ولا أكثر. 
ولأن القصور وارد، فإنه لا بد من تفاديه من خلال التدريب وتطوير رأس المال البشري. فبرامج التدريب عموماً والإداري خصوصاً تتخذ عدة أشكال، منها:
1. برامج تدريبية ذاتية الصنع والإنتاج، تُقدم من قِبل فئتين من الناس:
أ) فئة امتهنت التدريب عبر دورات تدريب المدربين، وهو بالنسبة إليها مصدر رزق. وتعتمد هذه الشريحة غالباً على تجميع المادة العلمية من مصادر مختلفة، لأنها لا تملك – في الغالب – خبرة معتبرة أو ممارسة ناضجة في المجال. هذه الفئة تقدم برامج رخيصة الثمن، وتعطي فكرة عامة عن الموضوع المطروح، لأن المدرب يفترض أنه يمكن الاستفادة منها في رفع الوعي نسبياً، ومن ثم فهو لا يبيع شهادات فقط! ومع ذلك فقد انتشرت الدورات المجانية التي تدغدغ مشاعر الراغبين في تجميع شهادات تزين السيرة الذاتية. 
ب) فئة بدأت تمارس التدريب في مجال محدد بعد اكتساب قدر من الخبرات العملية، ولديها رصيد علمي (أكاديمي أو رخص ممارسة مهنية)، فقررت أن تشارك الآخرين خبراتها بتقديم ورش عمل ودورات تدريبية. ميزة هذه الفئة هي الخبرات التي يمتلكها مقدِّم البرنامج. وتعتمد الأسعار على قوة المدرب المعرفية وخبراته العملية. ولذا ينصح بهذه البرامج للمتخصصين في موضوع الدورة للاستفادة من خبرات المدرب، وبناء علاقات مع الحضور من نفس المجال.
2. برامج تدريبية تصمم خصيصاً للفئة المستهدفة:
تقدمها جهات استشارية تحلل واقع الشخص أو المنشأة ثم تصمم البرنامج المناسب للشريحة المستهدفة. وهذا النوع أكثر جدوى لأن برامجه تُصمم لتلبية احتياجات العميل، كما يفترض وجود مؤشرات قياس للأثر العائد من البرنامج.
3. برامج تُقدم من قِبل جامعات ومعاهد أكاديمية
وهي من أقوى الأنواع من حيث المادة العلمية التي تتواكب مع آخر الدراسات والأبحاث في موضوع الدورة، إلا أنه يطغى عليها الطابع الأكاديمي وعدم مراعاة الواقع في الممارسات العملية. وعادةً يلتحق بهذه البرامج القادة والرؤساء التنفيذيون فيثرون النقاش من خلال إسقاط واقعهم العملي والاسترشاد بمقدِّم البرنامج.
4. برامج الرخص المهنية
وهي برامج متخصصة في مجال محدد، وتُصمم وفق منهجية متكاملة تنتهي عادةً باختبار يمنح – بعد اجتيازه – شهادة تعني أن حاملها مؤهل في أساسيات المهنة وقادر على ممارستها، وذلك مثل برامج: إدارة المشاريع ومستويات الحيود الستة، ورخص المحاسبين والمالية والجودة و(الكوتشنج)، أي التدريب الشخصي والتوجيه الفردي.
5. برامج الامتياز التجاري
وهي برامج مصدرها الأول في الغالب أمريكا، ويتم تنفيذها وتطبيقها في عدد من دول العالم، وتترجم إلى عدة لغات. تمتاز هذه البرامج بجودتها، ويتم تقديمها من قِبل مدرب ممارس ولديه قدرة وتميز في توصيل المعلومة واستخدام مهارات التدريب والتوجيه والتيسير.
وهنا يأتي السؤال الملح: كيف أختار البرنامج المناسب لي أو لمؤسستي؟
على المستوى الشخصي: استشر خبيراً في المجال الذي تريد أن تتميز فيه، لينصحك بأهم الدورات والكتب والمؤتمرات التي عليك الالتحاق بها بناء على مستواك العلمي وخبراتك المهنية.
على المستوى المؤسسي: فإن مديري التدريب يهتمون للأسف فقط بعدد البرامج التي يقدمونها كل عام، وبعدد المتدربين من الموظفين الذين يتم ترشيحهم لدورات لا تناسبهم ولا يهتمون بها. فلم يعد القائمون على التدريب يأبهون بجودة البرامج ولا بقياس نتائجها وأثرها على تغيير وتطوير قناعات وسلوكيات الموظفين المتدربين، كما انصب تركيز كثير من الجهات على سمعة وشهرة المدرب وليس على النتائج التي تحققها برامجه، وهذا يعني أن المدرب وليس المشارك هو محور العملية التدريبية!
من ناحية أخرى، أصبح التدريب ينصب على التلقين مثل التعليم، وليس على التمكين والتمتين والتوجيه والتيسير من خلال طرح الأسئلة المحفزة لتغيير نمط التفكير، والتكليف بخطوات عمل مرتبطة بواقع عمل المشارك، وإعطاء تغذية راجعة لتصحيح نتائج العملية التدريبية، وهكذا لا يتحول التدريب إلى سلوك إيجابي وعادة جديدة تُمارس في بيئة العمل بعد انتهاء التدريب. 
ما الحل؟
هناك عدة أساليب ووسائل معيارية لسد الفجوة بين الواقع والمأمول منها: التدريبTraining ، والتوجيه Coaching، والتيسير Facilitation، وورش العمل Workshops، والمواكبة Mentorship. ويحقق كل نوع نتائج أفضل إذا ما استخدم مع الفئة المناسبة ووفق احتياجات العميل، فالرئيس التنفيذي مثلاً يناسبه التوجيه لمساعدته في تحقيق أهداف المنشأة، والموظف الجديد تناسبه المواكبة ليحصل على مساعدة من موظف خبير أو مديره المباشر، أما التدريب فيناسب مجموعات الموظفين لتزويدهم بمعارف ومهارات وإكسابهم أساليب تفكير يحققون من خلالها نتائج أفضل كفرق عمل يعتمد نجاحها على التكامل والانسجام والتواصل الفعال.
ولكن لا قيمة لكل ذلك ما لم تكن هناك آلية محددة لقياس أثر التدريب أو التوجيه أو التيسير. والمقصود بقياس الأثر هو معرفة النتائج التي تحققت في بيئة العمل، سواء تمثلت في نمو شخصية الموظف وتغير سلوكياته وطريقة عمله، أم أدت إلى حل مشكلات قائمة، وزادت القدرات التنافسية للمؤسسة.
في الختام، هناك ثلاثة أمور لا بد منها قبل وفي أثناء وبعد تنفيذ أي برنامج تدريبي، وهي:
قبل التنفيذ: صياغة ما نريده من التدريب بأسلوب الهدف الذكي، وتحديد كيفية قياسه أيضاً.
في أثناء البرنامج:
1.    اعتماد المدربين ذوي التجربة في موضوع البرنامج.
2.    اعتماد أسلوب التعلم التشاركي والتيسير والتوجيه الذي يجعل المتدرب هو محور العملية التدريبية لتحفيزه بطرح أسئلة تغير أسلوب تفكيره وتجعله يبحث عن الحل بنفسه.
3.     الموازنة بين المحتوى المعرفي والعملي، فيتم تكليف المشارك بمهام تعكس مدى استفادته من المحتوى وإتاحة الفرصة لتطبيق ما تعلمه في بيئة العمل.
4.    التغذية الراجعة الدورية بعد كل محور معرفي ومهاري للتأكد من تمكن المشارك معرفياً وتطبيقياً في بيئة عمله.
5.    قياس دوري يتابع تحقيق الأهداف التي تم تحديدها قبل بدء البرنامج، وعدم الانتظار لنهاية البرنامج لتقليل نسبة الانحراف في تحقيق الأهداف الموضوعة. 
بعد البرنامج: قياس النتائج بناءً على ما تم تحديده قبل بدء البرنامج، وتحسين وتطوير العملية التدريبية، وتحفيز المتدربين على متابعة التحصيل المعرفي من خلال القراءة والمؤتمرات والاشتراك في المواقع والجمعيات المتخصصة في مجالهم المهني.
بقلم: حسين الغامدي

بقلم : حسين الغامدي