أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

كتاب "أزمة الشخصية"

بقلم : نسيم الصمادي 2016-06-22

كتاب "أزمة الشخصية"
وأزمات القيادات السياسية الأمريكية
لم يعرف كثير من الأمريكيين تفاصيل فضيحة "وايت ووتر" المتعلقة باتهامات وُجِّهت إلى "بل" و"هيلاري كلينتون" حول استثمارات عقارية غير مشروعة إبان عمل "كلينتون" كحاكم لولاية "أركنساس"، ومحنة "فينس فوستر" الذي وُجد منتحراً في أحد المتنزهات في أثناء عمله بالبيت الأبيض، والمزاعم الكثيرة ضد "بل كلينتون" بشأن تحرشاته الجنسية، ومزاعم الإخفاق في حماية المعلومات على كمبيوتر "هيلاري" وبريدها الإلكتروني، مما تسبب في تسريب معلومات مهمة تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، والتفاصيل المالية والعمليات غير المشروعة لمؤسسة "كلينتون"، وغير ذلك كثير مما جاء في كتاب "أزمة الشخصية" لمؤلفه "غاري بيرن" الذي كان يعمل داخل البيت الأبيض في تسعينيات القرن الماضي، وهو يدَّعي أن ما شاهده وعايشه كان أمراً مثيراً للاشمئزاز.
يقول المؤلف إنه قد شهد خلال فترة عمله بالبيت الأبيض – وتحديداً أمام المكتب البيضاوي – وقوع مؤامرات شخصية بين "بل" و"هيلاري كلينتون" والموالين لهما. كما تناول الفضائح المعروفة وغير المعروفة، إلى جانب التجارب اليومية في دهاليز الإدارة الأمريكية، وهو ما قرر الكشف عنه مؤخراً، منتهزاً ترشيح "هيلاري" لانتخابات الرئاسة، وقبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع في شهر نوفمبر من هذا العام (2016).
كان "بيرن" أحد الموظفين الذين أدلوا بشهاداتهم أمام هيئة المحلفين بشأن قضية "بل كلينتون" و"مونيكا لوينسكي" في عام 1998. ووفقاً لما نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، أعرب "بيرن" عن شكوكه للسيدة "إيفلين ليبرمان" نائبة مدير الموارد البشرية في البيت الأبيض، حول تحركات "لوينسكي"، مشيراً إلى إبعادها عن العمل بعد فترة وجيزة بسبب سلوكها المراهق. كما زعم أنه رآها في الجناح الغربي داخل البيت الأبيض، ولم يكن مصرحاً لها بالوجود هناك، في حين عبَّر عن قلقه – حسب ما أوردته "واشنطن بوست" – بشأن دخول "لوينسكي" ومكوثها لساعات في الجناح الذي يضم مكتب الرئيس، ومكاتب كبار المساعدين في البيت الأبيض.
وصف الكتاب الرئيس الأسبق "كلينتون" بأنه رئيس تنفيذي صعب المراس، بينما أظهر "هيلاري" على العكس تماماً من زوجها، فعرض تصرفاتها السلبية تجاه الموظفين، ووصفها بالمغرورة، وأكد أنها لم تكن تحب وجود المساعدين في الزي الرسمي حول البيت الأبيض، وهو ما أكده "دان إيميت" الذي بدأ في تغطية فترة رئاسة "كلينتون" منذ أيامه الأولى عام 1993.
في التحقيق الصحفي الذي أجراه "رون كيسلر"، أشار إلى أن الكتاب يتناول تفاصيل الأسرة الأمريكية الأولى في التسعينيات، حيث وصف الحراس عملهم بأنه من أكثر المهام صعوبة، وأنهم كانوا يمقتون "هيلاري" بشدة، كما كانوا يعتقدون أن زواج "هيلاري" و"بل" كان "وهمياً"، وأنه استمر لدوافع سياسية محضة، فضلاً عن اضطرارهما إلى مواصلة الحياة معاً لتحقيق طموحاتهما السياسية فقط.
وفقاً للمؤلف "بيرن"، فإن "هيلاري كلينتون": "تفتقر إلى النزاهة وتكامل الشخصية، وأنها مزاجية وحادة الطباع، مما يجعلها غير مؤهلة للعمل كرئيس منتخب. وهو يراها سريعة الغضب وتعطي أذنها للمتملقين، وتتجاهل القواعد ونظم العمل، ويصفها بأنها بغيضة ولا تحترم الآخرين، وتُعامل الناس بدونية بسبب غرورها. ويقول إنها قادرة على أن تجعل "ريتشارد نيكسون" يبدو وكأنه "غاندي"، واصفاً إياها بالمتعجرفة التي لا تشكر حراسها أو مساعديها أبداً، وتُعاملهم وكأنهم "مستأجرون لتقديم المساعدة فقط". ويضيف بأن "كلينتون" وزوجته تعاملا في إدارتهما للعالم الحر وكأنهما يعملان في وظيفة تافهة وبدوام جزئي؛ ثم يبدي بعض التحفظات ويقول: "ربما أنني لم أرَ كل شيء، ولكن ما رأيته يكفي لإدراك أنه من المهم منع وصول «هيلاري كلينتون» إلى سُدَّة الرئاسة".
ومما ذكره "بيرن" في كتاب "أزمة الشخصية" هو أن "هيلاري" وفي أثناء مشادة مع زوجها قد ضربته وأصابته بكدمة في عينه، وهو رئيس أمريكا. وقد سرد تفاصيل شجار كبير وقع بين "كلينتون" وزوجته وانتهى بتكسير مزهرية ثمينة، وأضاف أن "كلينتون" خرج في اليوم التالي بكدمة سوداء حول عينه، وأنه عندما سأل عن السبب أجابت إحدى المساعدات الإداريات بأنه يعاني من حساسية بسبب الإفراط في شرب القهوة. كما وجَّه "بيرن" انتقادات حادة لأسلوب "هيلاري" في القيادة، ووصفه بأنه "مُرَوِّع"، وقال: "إنها تفتقر إلى النزاهة والرزانة اللازمة لتتولى منصب الرئاسة".
الجدير بالذكر أن نشر الكتاب يأتي متزامناً مع تأكد ترشح السيدة "كلينتون" عن الحزب الديموقراطي؛ إذ يُطرح الكتاب في الأسواق يوم 28 يونيو الجاري، وقبل أن يَعقد الحزب الديموقراطي مؤتمره العام معلناً ترشيح "كلينتون" فعلاً، إلا أن هذا التوقيت يثير الشكوك حول مصداقية المؤلف، وأمانته في سرد المعلومات، وذلك لأسباب كثيرة منها:
-    توقيت صدور الكتاب يؤكد ميل المؤلف إلى الحزب الجمهوري وحرصه على النيل من الحزب الديموقراطي برمته.
-    السيدة "هيلاري كلينتون" ذكية وخبيرة في العلاقات العامة والدولية، ولم تسجل عليها مواقف سلبية في تواصلها الإنساني، وهي حريصة جداً على البروتوكول، ومن الصعب أن تنفعل لأسباب تافهة كالتي ذكرها المؤلف.
-    تمت تبرئة "هيلاري" وزوجها في قضية "وايت ووتر"، وأكد المحققون أن "فنسنت فوستر" مات منتحراً فعلاً، وأنه كان يعاني من ضغوط نفسية.
-    كل من يترشح للرئاسة في أمريكا يتعرض لاتهامات مختلفة، وتثار حوله زوابع الفضائح، ثم تتم في نهاية المطاف غربلة الحقائق والوقائع من الادعاءات والاتهامات الجزافية، ويعمل الإعلام الأمريكي دوراً رقابياً فاعلاً في هذا النطاق.
-    السيدة "كلينتون" أستاذة قانون سابقة، وهي خريجة جامعة "ييل"، وعملت بالإضافة إلى منصبها كوزيرة خارجية عضوة في مجالس إدارة متعددة، منها شركة "وول مارت" العملاقة.
-    كان أكثر ما أثار إعجاب المجتمع الأمريكي والعالم إزاء فضيحة "كلينتون" والآنسة "لوينسكي" هو وقوف "هيلاري" إلى جانبه، حيث عضت على الجرح ولم تُصعِّد الموقف، بل احترمت نفسها كسيدة أولى، حتى اعتذر لها زوجها أولاً، وللشعب الأمريكي ثانياً.
من المرجح أن ينجح كتاب "أزمة الشخصية" في تحقيق أعلى المبيعات، ويثير زوابع في بعض الفناجين، ولكن تأثيره على سباق الرئاسة الأمريكية سيبقى محدوداً، نظراً إلى انتهاك المؤلف ضابط الأمن السري السابق لآداب المهنة، وإفشائه أسراراً هو أول المكلفين بالحفاظ عليها، ونظراً إلى تعقد مشهد الانتخابات وكثرة القضايا المطروحة، وضعف موقف الحزب الجمهوري وارتباكه أيضاً، لكن الكتاب يؤكد أيضاً على سيطرة الأنماط الهشة للشخصية القيادية الأمريكية، حتى على مستوى الرئاسة، وذلك منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم. وهذا ما أكده "ستيفن كوفي" في دراسته لتطور الفكر القيادي الأمريكي، حيث قال إن الشخصية القيادية الأمريكية كانت تتعلق بالجوهر لا بالمظهر، وبالقلب لا باللسان، حتى الحرب العالمية الثانية، ثم بدأت تعتمد على الصورة الذهنية الخارجية المزينة بالبلاغة اللفظية والأقنعة الخارجية، ولهذه الأسباب عرف العالم بعلاقات "جون كينيدي" النسائية، وفضيحة الرئيس "نيكسون" في "ووترجيت"، وفضيحة "بوش الأب" في "إيران جيت"، و"كلينتون-مونيكا"، و"بوش الابن" في كذبة الأسلحة العراقية الكبرى، وهشاشة موقف "باراك أوباما" في سوريا، وانتهى الأمر بترشح السيدة "كلينتون" و"دونالد ترامب" للرئاسة، وهما خياران – بالنسبة إلى الناخب الأمريكي والعالم – أحلاهما مُرٌّ.
بقلم: نسيم الصمادي

بقلم : نسيم الصمادي