يقول "هنري ديفيد ثورو": "لا ضير في أن تبني قصورك في الهواء، ففي الأعالي تقام القصور، ما دمت ستشيّدها على أساسات تكفيها وتحميها."
لقد فاجأتني مذيعة "قناة العربية" في سياق روايتها عن "طارق سويدان" ومحاولاته رد التهم الموجهة إليه، في أثناء كشفنا للأخطاء المتواترة منه ومن مؤلفيه وناشريه المتشبثين بالباطل، قولها نقلاً عنه (أن لديه 70 كتابًا وليس بحاجة ليسرق جزءًا من كتب "شعاع"). وهذا هو في واقع الأمر مربط الفرس. وفي هذه الرسالة الهادفة أدعوه إلى استخدام مجسات الضمير، لفحص أساسات قلاعه السبعين، لعله يشيد منها قصرًا واحدًا؛ آمنًا ومنيفًا.
جاء في الفقرة الأخيرة من "مدخل" كتاب "خماسية الولاء" استشهاد بالحديث النبوي الشريف: "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه." لكن ما دعانا إليه رسولنا الكريم لا ينطبق على الكتب السبعين التي يتفاخر "سويدان" بطرحها – لا أقول تأليفها – في الأسواق، عبر خطوط إنتاجه الطباعية، غير عابئ أبدًا؛ لا بالمنهجية ولا بوحدة الموضوع، ولا بالرسالة العلمية، ولا بالفكر الإبداعي الذي كنا نتوقعه منه.
"حينما نصر على أن نقول كل شيء، فإننا في الحقيقة لا نقول شيئًا، وعندما نحاول أن نعمل كل شيء، فإننا في الواقع لا ننجز شيئًا." هذه حقيقة علمية وإبداعية ومبدأ في القيادة يعرفه "سويدان" جيدًا. فقد كان ممن بدؤوا حياتهم التدريبية بتقديم دورات قائمة على نظرية "العادات السبع" لـ"ستيفن كوفي"، وهو يعرف قانون المزرعة ومبدأ الفلاح الذي كان يرويه في محاضراته عبر قصة "الإوزة التي تبيض ذهبًا." فعمد صاحبها الفلاح إلى ذبحها ليستخرج كنزه من البيض الذهبي دفعة واحدة، فلم يجد في مبيضها سوى الدم والعدم.
والسؤال هو: من الذي جمع وألّف 70 كتابًا في 22 عامًا هي العمر التأليفي لـ"طارق سويدان". بالإضافة إلى قانون المزرعة، يعلم "سويدان" أيضًا قانون (80/20) والمعروف بـ"قانون الكثرة الضعيفة والقلة الفعالة." لأن 20 كتابًا منهجيًا أفضل من 80 كتابًا ملوثًا، وكتاب واحد فقط مثل كتاب "ستيفن كوفي"، يفضل ألف كتاب لا جهد فيها ولا معنى لها.
عكفت طوال عام 1981 على تأليف كتابي: "دائرة المعارف العربية؛ أزمة فكر لا أزمة نشر،" فدأبت على قضاء كل أمسياتي ما بين الخامسة والثامنة مساء في مكتبة جامعة الملك "سعود" بالرياض. أما "د. كوفي" فقد عاش 80 عامًا ولم يقدم للعالم سوى عشرة كتب نحفظها عن ظهر قلب، وكلها متمحورة حول فكرة واحدة هي: "فاعلية العادات السبع." في حين عاش "بيتر دراكر" 96 عامًا (1909 - 2005)، ولم ينشر سوى 39 كتابًا من 1939 إلى 2004، عام صدور كتابه الأخير. في حين جُمع كتابه "الأسئلة الجوهرية الخمسة" ونُشر عام 2008 بعد وفاته. لقد تفرغ "دراكر" تمامًا للتأليف والتدريس، وأمضى 70 عامًا وهو ينشر محاولاً الإجابة عن سؤال واحد فقط: "ما الذي يرفع أداء الموظف والمدير ويجعله جديرًا وفعالاً؟" ولهذا مات الرجل وما زال فكره حيًا بذكره؛ ومن خلاصته يسأل "سويدان":
- كيف تطبق قانون الفلاحة على منهجك التأليفي لتصبح مؤلفًا فعالاً وتشيد قصرًا خالدًا على أساس متين؟
في السطر الرابع من مقدمة كتاب "العمل المؤسسي" وهو الكتاب الثاني الذي يحتوي على عشرات الصفحات المنقولة نصًا وحرفًا من أدبنا الإداري، نقرأ: "والإدارة اليوم أصبحت علمًا متطورًا له نظرياته ومبادئه، ولا يكاد يمر يومًا إلا ويضاف لهذا العلم فكرة جديدة أو نظرية متطورة أو أسلوبًا متقدمًا." وإنني لأشعر بالخجل من أن يبقي المؤلف على هذا النص في كتاب يحمل اسمه وصورته، وهو الداعية البحاثة وشارح السيرة النبوية، والذي ينصب الفاعل ونائبه.
لقد تعرضنا لهجوم شرس من أتباع وأشياع "سويدان"، بسبب المكانة الكبيرة التي يحتلها لدى أبناء هذا الجيل. ومن حق قرائه ومحبيه، أن يقرؤوا له كتبًا ذات معنى، وأبحاثًا هادفة بدلاً من التشويش الذي يطال عقول هؤلاء المحبين، بسبب النصوص المجتزأة في كتبه التي تم تصفيفها لا تأليفها – بفعل نائب فاعل – ونقلها دون صقلها، وتحقيقها دون تدقيقها ومراجعتها، ولا دافع من ورائها سوى الاستهتار، ولا غاية لها سوى الإبهار والإشهار.
وفي نفس كتاب "العمل المؤسسي" نسخ "سويدان" إلى الصفحة (20) صفحة كاملة من خلاصتنا: "تحويل المنظمة" (العدد 71 لسنة 1995) ما يلي: "فإذا كان في كل خلية بشرية 32 كروموسومًا، فإنه يمكن تمييز 21 كروموسومًا في المؤسسة." وأشار إلى أنه نقل النص بتصرف، وكل ما فعله هو أنه بدلاً من تحويل المنظمة منهجيًا وعلميًا، حوّل كلمة "منظمة" إلى "مؤسسة" لتتسق مع عنوان كتابه، ولأنه نقل النص بطريقة (قص لصق) انقلبت الأرقام وتحولت الحقيقة العلمية إلى خطأ فادح. فالحقيقة العلمية أن في الخلية 23 كروموسومًا وليس 32، وفي المنظمة 12 كرموسومًا وليس 21.
لقد جاء هذا الخطأ كرسالة لـ"سويدان" ومن يؤلفون له، أنه ليس من حقهم النقل بتصرف دون إذن مسبق، وأن تأليف 70 كتابًا بطريقة (سلق بيض الإوز وتلوينه) هي قضية خطيرة تحتاج إلى وقفة من "سويدان" أولاً، بصفته أحد رموز هذا الجيل، ولمؤلفيه وناشريه ثانيًا، لا سيما دار نشره المعتبرة "الإبداع الخليجي" التي كنا نتوقع منها إبداعًا حقيقيًا، لا اعتداءً أدبيًا وماديًا على جهود "نسيم الصمادي" الذي فقد بصره وهو يلخِّص ويترجم الفكر الإداري العالمي لينقله إلى أهله وعشيرته العربية، وعلى مدى 35 عامًا؛ دون انتهاك لحقوق، ودون سطو وعقوق.
أقول هذا وما زلت متفائلاً وآملاً أن يجد المعنيون في "رسالة" "بيتر دراكر" عبرة لمن اعتبر، وأن نسمع الخبر: "طارق سويدان قد اعتذر" ليس من الصمادي و"شعاع" فقط، بل ومن قرائه ومريديه.
والله من وراء القصد.
نسيم الصمادي