New Page 1
نسيم نيقولا نجيب طالب" فيلسوف وباحث ومؤلف وأكاديمي وخبير مالي أمريكي من أصل
لبناني. أصدر مؤخرًا كتابه الرابع بعنوان: "المتانة: كيف تستزيد وتستفيد من
الضغط الشديد" والذي جاء بعد كتابه الأشهر: "البجعة السوداء: احتمال وقوع غير
المحتمل،" الذي تنبأ فيه بالأزمة الاقتصادية العالمية، وحقق ملايين الدولارات
من المكاسب القوية لأنه طبق نظريته على نفسه، ووضع توقعاته العكسية لحركة
الأسواق المالية في خدمة قراراته المهنية والشخصية.
في الثالث والعشرين من شهر أبريل 2013 اخترق هاكر حساب أحد محرري وكالة "أسوشيتد
برس" على "تويتر" وأطلق إشاعة مفادها حدوث انفجارات في البيت الأبيض وإصابة
الرئيس الأمريكي بجروح، فتهاوت البورصات العالمية وخسرت أسواق المال 130 مليار
دولار في دقائق. تم تصحيح الخبر فورًا فاستعادت الأسواق عافيتها بعد أن حقق
الجناة أو من يقف وراءهم أرباحًا طائلة، لأنهم اشتروا ثم باعوا بسرعة تعادل
سرعة الضوء وهشاشة العالم الضعيف لأنه مترابط.
أطلق "نسيم طالب" كتابه الجديد تحت عنوان يحتاج إلى تفسير وهو Antifragile.
كلمة Fragile تعني "هش"، ومن ثم فإن عنوان الكتاب يعني "ضد الهشاشة" أو "غير
قابل للفشل." وهو عنما يفسر سبب اختيار العنوان يقول: "بحثت في كل لغات
العالم ولم أجد كلمة مضادة في المعنى لكلمة Fragile ومعناها "هش" أو "ضعيف".
هو يرى أن كلمات مثل "قوي" و"صلب" و"شديد" ليست نقيضًا لكلمة "هش"، لأن للقوة
ثلاثة مستويات هي: ضعيف وقوي و"غير هش" أو "غير قابل للكسر."
ما يقوله "نسيم طالب" صحيح. لكن غير الصحيح هو قوله بأن كل لغات العالم لا
تقدم بديلاً لغويًا لمفهوم "الهشاشة". ففي عام 2007 طرحت نظريتي حول مستويات
القوة تحت مصطلح التمتين® وقلت: كلمة قوي تصف كل ما هو شديد وصلب، ولكنه يبقى
قابلاً للكسر أو الفشل. أما كلمة "متين" فهي أعلى درجات القوة؛ لأن المتين
يصمد ويزداد قوة كلما تعرض للضغوط. وهذا ما يؤكده تفسير الآية القرآنية
الكريمة: «إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.»
هناك فرق بين المتين وبين القوي. فنحن نمتن القوي، ونقوي الضعيف. نتيجة
التقوية أداء عادي، ونتيجة التمتين أداء عالي. ولكن كتاب "نسيم طالب" يؤكد
فعلاً كما قلت منذ سنوات إن اللغة الإنجليزية تخلو من مفردات تعبر عن
المعنيين: اللغوي والاصطلاحي للتمتين؛ فهي تستخدم (تقوية) لتعبر عن تقوية
الضعيف والقوي معًا. وهذا دليل آخر على أن "المتانة" أسلوب حياة، ومدخل حيوي
للتنمية البشرية والفعالية الإنسانية وأساس متين للقرارات السياسية، وفلسفة
إدارية جديدة يمكننا تطبيقها لتحقيق الريادة وفرض السيادة.
في "التمتين" الفعل يسبق القول. فعندما تتحدث عن بناء برج يجب أن تكون قد
بنيته، وعندما تقطع وعدًا يجب أن تكون قد نفذته، وعندما تتكلم عن بناء جسر يجب
أن تكون قد عبرته، وعندما تصرح بأنك ستنشر كتابًا كل شهرين أو حتى سنتين، يجب
أن تكون قد ألفته. ولهذا أسباب علمية ومنطقية تفسرها التحليلات النفسية
والقوانين الفيزيائية.
في علم "التمتين" النوايا ليست خططًا، والتصريحات ليست استراتيجيات. في كل مرة
يعلن فيها عن مشروع أو تطرح مبادرة من "دبي"، تكون قد نفذت أو بدأ تنفيذها.
وهذا ليس إعجازًا أو مصباحًا سحريًا يعمل بآلية "كن فيكون." هذه نقاط ونطاقات
قوة داخلية ومخاطرات قيادية مضادة للهشاشة، فنراها بكل ثقة وأريحية تضع رؤيتها
وطاقتها موضع التطبيق. وهذه تجربة عربية استثنائية تجب دراستها. وهي ليست
استثنائية لأن الإنجاز فيها يساوي الإعجاز؛ بل لأنها لم تتكرر بعد وما زالت
فريدة، رغم المنافسة القطرية الحالية للتجربة الإماراتية.
من هذا المنظور يمكننا تفسير فشل كل خطط التنمية في "الكويت". ربما يملك بعض
قادة "الكويت" رؤية، وهم قطعًا يملكون المال. ولكن هذه الدولة الغنية مهددة
بالإفلاس في غضون عقد من الزمن لأن الكويتيين لم يواجهوا التحديات، وما زالوا
في برلماناتهم وديوانياتهم وأكاديمياتهم وبرامجهم يتكلمون أكثر مما يفعلون،
ويخطبون أكثر مما ينجزون. كنا نظن أن مجلات العربي وعالم الفكر وسلسلة عالم
المعرفة والصحافة الحرة هي أسلحة "الكويت" نحو المستقبل. لكن ركون الكويتي
للدعة والراحة، وركوب البحر دون تعلم السباحة، تحول من متانة إلى هشاشة، وعما
قريب سيدفع الكويتيون ثمن الرفاهية الهشة، والصوت غير المتناغم والمرتفع
الإيقاع، وسيدركون متأخرين أن الوفرة أخطر من الندرة.
في "الأردن" أيضًا أعلن عن تأسيس مدينة حرة للإعلام فوجدناها تنفذ في "دبي".
وعن وادي السليكون، وسبقت إليه "دبي". قدرة الإنسان على الفعل تساوي دائمًا
قدرته على المخاطرة واستعداده للتغيير. التغيير فعل إنساني عميق يجب أن يرتكز
على أساس قوي، وينطلق من الداخل. من الصعب تغيير الدوافع والنوازع لأنها تتطلب
تغيير المخ حتى يتغير التفكير. ورغم أن تطوير القيم أسهل من تغيير الدوافع،
فإنه أصعب من تغيير القوانين والعادات، ومن تنمية المعارف وتهذيب المهارات.
ولهذا فإن الانتقال من الهشاشة إلى المتانة يمر بمراحل ودرجات من القوة يصعب
القفز عنها. فهذه لا بد من بنائها وصناعتها. ولم تجازف القيادة الأردنية لا
بالفعل المخاطر ولا بالتغيير المبادر.
ومن منظور "التمتين" يعتبر صمود النظام السوري حتى الآن ولأكثر من سنتين أمرًا
قابلاً للتفسير. فهذه دولة تقف على النقيض من "الكويت". على مدى 60 عامًا
والشعب السوري يعيش بلا حرية، ولكن أيضًا بلا رفاهية. ومن هنا قام سلوكه
وترسخت قيمه على أن يعمل قبل أن يأمل. وهذا ما حدث في "لبنان" أيضًا؛ إذ تحولت
الحروب الأهلية والصراعات الداخلية إلى مولدات للتحديات زادت من متانته
ومقاومته للصدمات. فهذه دولة صغيرة تترنح على مدى 40 عامًا، دون أن تسقط.
الانفتاح والتنوع والحرية متنت "لبنان". والعزل والخوف والفردية متنت "سوريا".
أما من يتأرجح بين الضعف والمتانة، فلن ترضيه ولن تحميه، لا قوته المالية، ولا
القوى الخارجية. المتانة قوة داخلية، إما أن تشغلها أو تفقدها. فليس هناك حل وسط
بين الهشاشة والمتانة.
نسيم الصمادي