أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

أنجيلا ميركل: القائدة الزاهدة

بقلم : رمزي الغزوي - كاتب في صحيفة الدستور الأردنية 2021-09-30

اليوم أنا حزين جداً. فعالمنا المرتبك المشدود كقنبلة عمياء يفقدُ قائدةً من صنف قلما يتكرّر في صفحات التاريخ ومفاصله.اليوم نفقد قائداً سيكون مقياساً حساساً نقارن به كل من تسنم أو سيتسنم موقعاً عالياً في قيادة الدول والمجتمعات. المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" تترجل عن سدة الحكم بسلاسة شم وردة في حديقة، أو رشفة قهوة من فنجان دافيء.
 
فيما مضى كان الألمان يعيشون عقدة موجعة لم يستطيعوا يوماً تجاوزها: كيف لهم أن ينسوا أنهم أوصلوا "أدولف هتلر" إلى هذا المنصب من قبل؟. ولكنهم اليوم سيتخففون من تلك العقدة بعد نجاحهم بتقديم قائد نموذج في كثيرٍ من أفعاله وأقواله، لم يُعلِن يوماً أن بلاده فوق الجميع، كما فعل "هتلر" من قبل، بل مع الجميع وللجميع وبالجميع.
 
اليوم تغادر هذه السيدة المحتشدة بالحياة والذكاء والإنسانية، وما زال يلفتني اعترافُها خلال لقاء تلفزيوني باقتراف فعل طائش أيام مراهقتها. وعندها تداعت إلى مخيلة الكثيرين شبهات أفعال بذيئة لربما جنحت إليها صبيةٌ محبةٌ منفتحة الآفاق، وتواقة للتجريب. وقد كان الفعل الطائش أنها أخفت عن والديها فعلة شنعاء في نظرها؛ لقد دخنت سيجارة!
 
ربما يبدو اعتراف كهذا سخيف في نظر أقطاب كثيرة في عالمنا، لكنه ما زال خطيئة في روح من ترى أن الصدق أساس الأشياء كلها. الصدق مع النفس والحياة والناس. كان بإمكانها أن تبقى شفتيها مطبقتين، إلا أن الضمير الحي يأبى إلا أن ينفث خلجاته. ولربما هذا هو التطهر، أو السمو الإنساني، في أبسط معانيه وأعمقها.
 
كل قائدة من بعدها، أو حتى من قبلها؛ ستقارن بها وبأفعالها ومواقفها. من "جاسيندا أردرن" في نيوزيلندا، و"سانا مارين" في فيلندا، و"مارغريت تاتشر"، أو "كليوبترا"، أو "زنوبيا"، وغيرهن. فقد كان لدى "ميركل" شيء قلما توافر في غيرها: ضمير الإنسان في أبهى معانيه.
 
لم يصل إلى مستشارية ألمانيا بمثل هذا العدد من المرات إلا العظيم "هولمت كول". وهو بالمناسبة من إكتشفها وأخرجها من برودة مختبرات علوم الفيزياء، وسلّمها وزارة المرأة والشباب، لتحلق فراشةً في فيزياء الحياة وديناميكيتها، وروحها الحية، وتبرهن أن الخيال ما زال أهم من المعرفة لبناء حياة بني الإنسان،إن كان الصدق نواتَها.
 
سيبقى في بالي أننا نحتاج إلى خيال رؤساء مجددين، وزعماء ملهمين للآخرين، وليسوا (مُلهَمين من قوى خارقة). نحتاجهم ليبعدوا الحروب والكروب، ويبطلوا البطالة، ويُلجئوا اللاجئين، ويعمّروا ويُثمروا، ويفكروا بعقل جمعي كالرقيقة / الفولاذية "ميركل".
 
كان راتب "ميركل" السنوي 300 ألف دولار، يعني راتب مهندس ألماني متوسط الحال، ولم تملك يختاً ولم تتجمل بجواهر وأزياء باريس وميلان! كل ما تملكه 11 مليون دولار، تبرعت مقابلها بـ 11 تريليوناً للعالم المحتاج! لم تفز أنجيلا "ميركل" بجائزة "نوبل"، فهل تحظى بها هذا العام؟
 
 

بقلم : رمزي الغزوي - كاتب في صحيفة الدستور الأردنية