أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

محمد صلاح لاعب وليس لعبة

بقلم : نسيم الصمادي 2018-05-03

سأصارحكم وأفضي إليكم بنبوءة جديدة، وهي ليست سعيدة: ("محمد صلاح" لن يتألق في مباراة نهائي أوروبا القادمة أمام "ريال مدريد"، ولن يكون دورُه مؤثراً في بطولة العالم القادمة مع المنتخب المصري، وسيعود لاعباً عادياً، ولن يكون "رونالدو" و"ميسي" جديداً."
وها أنتم تسألون: لماذا؟
"محمد صلاح" لاعب موهوب جداً، ما يعني أنه إنسان محظوظ، لأن الموهبة هبة يمنحها الله لكل إنسان؛ ولكن هناك من يستثمرها وهناك من يبعثرها. استثمار المواهب بلغتنا المتخصصة لا يتحقق بضربات الحظ ودعاء الوالدين فقط، بل باكتشافها، وفهمها، وتقويتها، وتشغيلها، وتصميمها في البيئة المناسبة التي تمنحها الحد الأدنى من هوامش الحرية، يعني: بضربات القوة، وهناك فرق رهيب بين القوة والموهبة.
من خلال ما أشاهده وأفهمه من تُرهات خبراء الإعلام الرياضي والمعلقين والمدربين والسماسرة وتجار المواهب، سمعت مؤخراً مَن يُطالب "محمد صلاح" بتطوير طريقة لعبه وإتقان اللعب بالرأس، وزيادة الالتحام مع الخصوم ليصبح لاعباً متكاملاً وينافس على الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم. ويحاول آخرون تحويل "صلاح" إلى سلعة بيبساويةلتصبح كل ابتساماتُه ويوتيوباته وحركاته وسكناته سلعاً تُباع وتشترى. وفي حوارٍ له مع محطة رياضية سُئل"صلاح" عن أفضل طريقة لعب للفوز على "ريال مدريد"، وكأن هذا الفتى الرشيق مُدرب كرة قدم عالمي بمستوى السير"أليكس فيرجسون" الذي فاز مع "مانشستر يونايتد" بثلاثة عشر لقباً أوروبياً وكتب واحداً من أعظم كتب القيادة في العِقد الأخير. وباختصار، ما يفعله الإعلام والخبراء والسماسرة الآن هو تشتيت "محمد صلاح" وتحويله من لاعب إلى لعبة.
"محمد صلاح" يعرف كيف يلعب، فهو سريع ورشيق كالغزلان، وعازف مُبدع كفنان، ويملكُ طاقةً إيجابية هائلة يصعب قياسها وتصنيفها ونسخها وتكرارها. ولكنه ليس مفكراً ولا محللاً ولا رائد أعمال، ولا يستطيع تعليمَ أو توجيه فريقه إلى الطريقة الصحيحة للعب والفوز وبلوغ قمة الأداء. ومن العبث أن نُحمله مسؤولية فريقِه في النادي والمنتخب ونُطالبه بالفوز في كل المباريات، وذلك لأسباب خافية؛ يشعرها ولا يعرفها، ويستثمرها دون أن يستطيع تفسيرها.
يتفرد كل إنسان مُبدع وكل نجم وكل مؤسسة ذكية وكل مجتمع يحظى بما يكفي من الإلهام لتعظيم قدراته الخاصة ومواهبة وتحويلها إلى موارد قوية، بميزة فريدة ذات خصوصية يستحيل تعميمها. وسأحاول تبسيط هذه الفكرة من خلال نظرية التمتين العلمية، والتي لا أرى سبيلاً قويماً غيرها للأداء البشري، حتى الآن على الأقل.
الفكرة ببساطة هي أن نقاطَ الضعف تَعُم، ونقاطَ القوة تَخُص. وهذا اكتشاف على كل أب وأم وقائد ومدير ومدرب ومستشار وخبير أن يفهمه جيداً، قبل أن يحاول - أو حتى يفكر في - إعادة تصميم شخصيات الآخرين. على المستوى الشخصي والمهني، أعتبر نفسي مترجماً ومحرراً مبدعاً، ولكنني لست أفضل باحث ومؤلف وكاتب ومتحدث ومدرب في العالم. لماذا؟ لا أعرف! وليس مهماً أن أعرف. وأنت مثلاً أيها القارئ الأريب، تستطيع أن تكتب وتتحدث وتحاضر وتمثل وتغني وتلعب كرة القدم وكرة المضرب أيضاً. في كرة المضرب تستطيع أن تؤدي بنسبة 1%، وكلاعب كرة قدم بنسبة 10%، وكممثل بنسبة 20%، وكمغني بنسبة 40%، وككاتب بنسبة 50%، وكمتحدث بنسبة 60%، وهكذا. وكل هذه الأرقام تعني أنك لست لاعباً ولا متحدثاً، فالأداء بأي مستوى يقل عن 90% أو 95% يستطيعه كل خلق الله، ونقدر عليهاأنا وأنت. وهذا ما أعنيه بقولي: "نقاط الضعف عامة ومتاحة لنا جميعاً." أما نقاط قوتنا فتخص كل واحد منا دون سواه. ولذا فإن مقارنة "محمد صلاح" بـ "ميسي" تُشبه مقارنة "شكسبير" ب "أحمد شوقي". كلاهما كتب الشعر والمسرح، ولكن خُلق كل منهما من طينة وعجينة مختلفة، وليس من العدل مطلقاً أن نقول بأن أحدهما أفضل من الآخر. والمقارنة تكون بين بدايات كل منهما وبين نهاياته.تخيلوا مثلاً أن أسرة "محمد صلاح" أجبرته على لعب الكرة بعد دراسة الهندسة. من الممكن للفكرة أن تكون منطقية، ولكنها لن تكون – أبداً – فكرة إنسانية ذات فاعلية. ممكن لذكاء "محمد صلاح" أن يجعل منه مهندساًعادياً، ولكن ذكاءه سيكون خاصاً فقط لو قرر أن يكون مهندساً يصمم ملاعب كرة القدم دون أن يلعب عليها.
هل اتضح قصدي؟
حقق "محمد صلاح" نجاحات معقولة زادت عن 70% و 80% و 89% في مصر وسويسرا وإيطاليا، ولم يبلغ قمة الأداء إلا مع فريقه الأخير"ليفربول"؛ حين تَركَه مُدربُه يلعب كـ"محمد صلاح"، وليس كـ"رونالدو" البرتغالي و"مارادونا" الأرجنتيني. هناك خصوصية في شخصية وأسلوب "محمد صلاح" لم ينسخها من أحد، ولا يمكن لأحد أن يقتبسها منه. هذه الخصوصية تم تعميمها وعولمتها عندما تركه مُدربُه – عن قصد أو بمحض الصدفة – أن يكون هو، وسيبقى"صلاح" صلاحاً وصالحاً للعب بأسلوبه الخاص، وبما يُمليه عليه ذكاؤه الحركي.
واليوم، ونحن نطلبُ منه أن يكونَ أفضلَ من "رونالدو" أو مثله، وأن يَحمِلَ منتخبَ بلاده على كاهله ويتحمل ضغوط كل المصريين والعرب والمسلمين، فإننا نقوده إلى الفشل. كيف؟ نحن نطلب منه تحويل العام إلى خاص، بدلاً من العكس!
أحب "محمد صلاح" مثلكم، ولست متفائلاً بأدائه بعد ما لاحظته من محاولات غبية لإعادة تصنيعه وإنتاج نسخة مشوهة منه. والحل؟ اتركوه وشأنَه: دعوه يلعبُ بأسلوبه وروحه ولاوعيه. الأسلوب ليس هو الرجل فقط؛ "الأسلوب هو كل الحياة".

بقلم : نسيم الصمادي