أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

كيف دخل ترامب البيت الأبيض؟ وكيف سيخرج منه؟

بقلم : نسيم الصمادي 2016-11-20

من الواضح أنني أخطأت عندما وصفت "الدونالد" – هكذا يناديه موظفوه – بالغباء ومن الواضح أيضاً أننا كعرب لم نتعلم، وَعُدنا نرتكب نفس الأخطاء، مثلما هلَّلنا لنجاح "باراك بن حسين أوباما العبسي"، ونحن نزفه من بلدية شيكاغو إلى "ميشيل أو ميثاء بنت روبنسون الذبيانية"، كي لا تحتدم على أطلال واشنطن داحسٌ وغبراءُ جديدة.
هذه بعض الصدمات التي يجب توجيهها إلى كل عربي لم ينتبه بعد. هذه الملاحظات ليست مجرد تخمينات، بل هي حقائق يمكنكم إثباتها بإجراء ثلاث أو أربع عمليات بحث سريعة تحت عباءة "الشيخ جوجل":
-    
بدأ "الدونالد" أول حملة علاقات عامة ليحتل البيت الأبيض عام 1980، عندما سألَته الإعلامية "رونا باريت": "أنت رجل أعمال ناجح، فلماذا لا تُكرِّس حياتك للخدمة العامة؟"، فأجاب: "العمل في الحكومة مهنة حقيرة لا تستحق الجهد المبذول".
-    
في 1987 طرحت عليه "أوبرا" – نعم "أوبرا" لا غيرها – ذات السؤال، فقال: "لا أملك أية فرصة للفوز؛ فمنصب الرئيس يتطلب ابتسامة عريضة، ولا يتطلب معرفة وذكاءً".
-    
في 1998 قال: "لن أترشح إلا إذا كنت واثقاً من الفوز، أنا مدمن على النجاح، ولا أتحمل الخسارة". وأضاف: "أقابل الكثير من قادة العالم، وكلهم يواجهونني بنفس السؤال. أدرك أن بلدنا بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة، ويُحزنني ما حدث لأمريكا العظيمة".
-    
بعد فوز "أوباما" بالرئاسة، قال: "قيادتنا ضعيفة والعالم لم يعد يحترم أمريكا، ولا حل أمامنا سوى اقتصادٍ قوي". لقد كان وما زال يضمر عداءً سافراً لـ"أوباما"، حتى ليُمكن القول إنهما من ألدِّ الأعداء في العالم، وليس في أمريكا فقط. لقد طالب "أوباما" عدة مرات بإبراز شهادة ميلاده ملمحاً إلى أنه مُسلم، ولم يولد في أمريكا، يعني "مقطع وموصل" ولا يمكن الوثوق بجيناته الوراثية.
فلماذا انتظر "ترامب" خمساً وثلاثين سنةً عجافاً ليندفع فاتحاً البيت الأبيض؟ 
-    
هو في الواقع لم ينتظر. هناك قوة خفية حفزته على التأهب للرئاسة منذ عقدين أو ثلاثة. ورغم ما يبدو عليه من قوة شكيمة وعزيمة، فإنه أمام هذه القوة الجبارة مجرد قشَّة في مهب الريح. فالفضائح والأكاذيب والسقطات التي يخفيها ملفه، كفيلة بإسقاط دول وقارات، لا مجرد رجل أعمال أهوج، وزير نساء دخل سن اليأس، فتعطلت محركاته مع بدء حملته الانتخابية وقبل ان يصبح ترامب في البيت الابيض.
-    من المؤكد أن "الدونالد" محظوظ وذكي. فقد صعد على أنقاض الحزب الجمهوري بعد انهياره، وعلى بقايا الرصيد السلبي لعائلات "كلينتون" و"أوباما" و"بوش"، الذين اختلفوا في كل شيء، ما عدا محاولاتهم اليائسة لتوريث الحكم في أكبر دولة ديموقراطية في العالم. وقد بدا له منطقياً وحتمياً ألا يقبل الأمريكيون رئيسة ديموقراطية بعد رئيس ديموقراطي أسود، وُلد في هاواي، وعاش في أندونيسيا، واسمه "باراك بن الحسين".
-    
يعيش "الدونالد" في مدينة نيويورك، وفيها أيضاً يعيش ويعمل فريد زكريا الهندي المسلم وكبير إعلاميي "تايم وورنر" ومؤلف كتاب "عالَم ما بعد أمريكا"؛ و"توماس فريدمان" الصحفي الأمريكي اليهودي، ومؤلف كتاب "العالم مسطَّح". ورغم الاختلاف الشاسع في منظورهما، اتفقا على أن أمريكا عَوْلَمت العالمَ ونسيت أن تُعَولم نفسها، وهذه النقطة استغلتها رئاسة دونالد ترامب. هذا ما أدركه مستشارو "ترامب"، ولم يتذكره "أوباما" إلا متأخراً حين قال: "لقد عزف ترامب على مشاعر الخوف الذي يجتاح الأمريكيين من العولمة". وهو يحذر من تصاعد وتيرة المشاعر القومية الفَّجَة.
 
اختار "ترامب" التوقيت المناسب مستثمراً ذكاءه التجاري، ومهاراته التفاوضية، وحاسته السادسة في اقتناص الفرص. وطبق "استراتيجية المُحيط الأزرق: كيف تكتسح السوق وتُخرج المنافسين من اللعبة" كما جاءت في كتاب "شان كيم" بحذافيرها، ووظَّف شركة تسويق بريطانية استخدمت أدوات تحليل مبتكرة لطرح فكر مختلف، وخطاب ولغة جديدة، تتوجه إلى كل ولاية ومدينة وبلدة أمريكية على حدة. وهذه بعض دلالاتها:
-    
عندما ألقى خطابه في "آيباك"، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، انتقد كل الرؤساء السابقين لتقصيرهم في خدمة إسرائيل، وختمه بالإعراب عن سعادته لأنه سيحظى بحفيد يهودي من ابنته المفضلة "إيفانكا" وصهره "جاراد كوشنر"؛ والذي أتوقع أن يتقلد منصباً رفيعاً في الإدارة الجديدة، وهو الذي يتولى الآن اختيار أعضاء الحكومة الأمريكية.
-    
كان بارداً وهادئاً جداً ولم يأبه كثيراً بالمناظرات الثلاث التي فازت بها "كلينتون" واعترف بكل وقاحة أنه لم يُحضِّر لها. وكأنه كان يعرف أن "جيمس كومي" رئيس "إف بي آي" سيعيد فتح ملف إيميلات "كلينتون" بعد انتهاء المناظرات مباشرة، وقبل يوم الحسم بعشرة أيام فقط.
-    
لم يكترث أيضاً لاستطلاعات الرأي التي ظلت تؤكد تقدم منافسته حتى اليوم قبل الأخير، وبدا واثقاً تماماً من النتيجة. أجريت الاستطلاعات من قبل مؤسسات إعلامية مناوئة له، حيث كانت كل وسائل الإعلام تهاجمه، فاستغل الفرصة وطعن في صحة الاستطلاعات، وتباكى وهو يلعب دور الضحية، ويشرح لناخبيه أبعاد المؤامرة التي تحاك ضده.
-    
لم يكن ينفي أي تهمة توجه إليه، بل كسر كل التابوهات الانتخابية المعروفة؛ فعندما اتُهم بالتهرب الضريبي، رد بأنه "تاجر شاطر"، وعندما اتُّهم بالتحرش بعشرات النساء، تباهى بفحولته ونجوميته.
-    
اختار شعاراً يعكس الشخصية الأمريكية الصرفة، وهو شعار مقتبس من أدبيات "رونالد ريجان"، مقابل شعار الديموقراطيين الوسطي والمهادن والضعيف: "نحن معاً أقوى". لقد رفع شعار: "دعونا نُعِد لأمريكا مجدها" المفقود. فالأمريكيون شعب شديد التنوع، لكنهم بشكل عام يعشقون الضخامة وينبهرون بكل شيء كبير؛ مثل "جراند كانيون"، وطائرة الجامبو، و"ديزني وورلد"، والسيارات الرياضية القوية، و"رامبو"، والهامبورجر ذي الطبقات الثلاث، وسوبرمان، و"السوبر باور" وهذا ما وعدت به رئاسة دونالد ترامب. ومن ملاحظاتي المهمة أنه – ولأول مرة في تاريخ المناظرات الرئاسية – كان "الدونالد" يقف خلف "هيلاري" مباشرةً لتبدو أمامه ضئيلة.. قليلة الحيلة.

في 20 يناير القادم سيكون ترامب في البيت الابيض، وسيقود أمريكا كإمبراطور، وأظنه لن يفوز برئاسة ثانية؛ بل سيختلف مع الكل، وسيجلس في مكتبه البيضاوي أو برجه العاجي، كطاووس أحمر مغرور، وكأنه ما زال يلعب دوره في برنامج "الموظف المبتدئ" المشهور. مما يعني ان رئاسة دونالد ترامب ستكون لمدة قصيرة ولن تتكرر مرة أخري. في آخر تصريحاته قال: "عملية اختيار إدارتنا الجديدة تجري على قدم وساق، ولا أحد غيري يعرف من هم المرشحون للمناصب العليا". هذه هي البداية، أما النهاية، فعلمها عند الله. ها هي "كاليفورنيا" تتململ، واحتمالات انفصالها عن الفيدرالية "الترامبية" تلوح في الآفاق.
 
يمكنك ايضاً قراءة المواضيع التالية:
بوتين وزيلينسكي: القيصر والكوميديان: ولماذا لن تقوم حرب عالمية ثالثة؟
بوتين اللاعب والمحارب: لماذا لا يجب هزيمة روسيا في أوكرانيا
هزيمة ترامب

بقلم: نسيم الصمادي

بقلم : نسيم الصمادي