أعِد تأطير المفاوضات
عندما تفشل المفاوضات، يصبح الموقف عدائياً، ويتبنَّى الجميع استراتيجيات هجومية رغم وجود بدائل أكثر فاعلية، يمكنك مثلاً أن تصبح أكثر تعاطفاً فتخلق بيئة تعاونية تسمح للطرفين بالوقوف على أرض مُشتركة، أو إعادة تأطير المشكلة محل التفاوض وتوضيح أبعادها والنظر إليها من زاوية جديدة.
أحياناً يكون إطار التفاوض أهم من مضمونه، ويمكن التحكُّم في إطار التفاوض بأن تضعه بنفسك، كأن تُقرِّر تحقيق مكاسب مشتركة بدلاً من استئثار طرف واحد بالمكسب وتقديم عرضك على هذا الأساس، وإمَّا أن تشارك في إعادة تأطيره، بأن تُعيد النظر في اقتراحك أثناء التفاوض، وتتفهَّم وجهة نظر الطرف الآخر ودوافعه، ومن ثم تُغيِّر استراتيجيتك التفاوضية. ويمكننا الحد من أثر المشكلات التي تؤدِّي إلى فشل المفاوضات إذا وضعنا إطاراً جيداً للتفاوض.
من أهم المشكلات التي تعوق التفاوض ما يلي:
• إقناع الأطراف الناشزة وكسب بقية المعنيين: قد يتخوَّف الطرف الآخر من نتائج التفاوض المُحتملة، ويقلق حيال قدرته على إقناع الأطراف المعنيين إذا لم تتفق مع توقعاتهم، ومن ثم يتبنَّى موقفاً هجومياً، لذا ضع عرضك ضمن إطار يتناول مخاوف الطرف الآخر، ويركِّز على المكاسب والمزايا.
• الإفراط في المعلومات: تحتاج القرارات المستنيرة إلى توافر قدر مناسب من المعلومات لدى الطرفين، ولكن أحياناً تكون المعلومات المتاحة أكثر من اللازم، بما يصرف تركيز كل الأطراف عن الأمور المهمة. ركِّز على المعلومات المهمة في سياق التفاوض فقط.
• المكاسب الفردية: تقوم معظم المفاوضات على مبدأ المكسب الفردي مقابل خسارة الطرف الآخر، وهذا المبدأ لا يقود إلى أي نتائج إيجابية. في هذه الحالة يتعيَّن عليك التنازل عن شيء غير ذي أهمية كبيرة بالنسبة لك لتخفيف حدَّة التفاوض، أو صرف الانتباه عن المصالح المُتضاربة والتركيز بشكل أكبر على المصالح المشتركة.
أسلوب الطرح يؤثر في صنع القرار
يتضح أثر تأطير التفاوض بوضوح في شتَّى مجالات الحياة، فالأشخاص لا يتخذون قراراتهم بناءً على تحليل الفائدة والتكاليف فحسب، وإنما وفقاً لعدة معايير من بينها:
• الدليل الاجتماعي: عندما يزيد إقبال الأفراد على خيار بعينه، يُحاكيهم الآخرون من منطلق القيمة المُفترضة. فإذا أردت جذب الأنظار إلى عرضك، فاستشهد بدلائل توحي بقبوله الواسع عند الآخرين.
• الخيار البديهي: قدِّم عرضك باعتباره “خياراً قياسياً”، فبذلك تعزِّز فرص قبوله. عندما نَصَح الجراح الشهير “بهفار إهدائي” مرضى سرطان البروستاتا بتأجيل التدخُّل الجراحي أو العلاج الإشعاعي، والبقاء بدلاً من ذلك تحت الملاحظة وإجراء فحوصات دورية لمدة ستة أشهر، افترض معظم المرضى أنَّ الجراحة هي الخيار الأمثل -أو البديهي- وأنَّ الخضوع للملاحظة خيار ثانوي، ومن ثمَّ لم يعملوا بتوجيهاته، ولكن عندما غيَّر الطبيب استراتيجيته مع المرضى الجدد، وأشار إلى الملاحظة والفحوصات باعتبارهما الإجراء القياسي في هذه الحالة، افترضوا أنَّ الجراحة والإشعاع مجرد بدائل، ومن ثمَّ ارتفعت نسبة المرضى العاملين بمشورة الطبيب من 15 إلى %35، أي أنه نجح بفضل فهمه لطريقة تفكير الطرف الآخر، وتغيير إطار تقديم العرض وفقاً لذلك.
تأليف: ديباك مالهوترا: أستاذ إدارة الأعمال في جامعة هارفارد