كما تنبَّأت عام 2015 الهنود يحكمون بريطانيا بعد أمريكا!
بقلم : نسيم الصمادي 2022-07-26
نشرت في عام 2015 مقالاً بعنوان "الهنود يديرون أمريكا ويحكمون العالم" (المختار الإداري – عدد 165) تنبَّأت فيه أن يفوز أمريكي من أصل هندي برئاسة أمريكا قبل عام 2050. وللأسف، كانت نبوءتي متحفِّظة جداً، لأن محامية أمريكية من أصول هندية اسمها "كامالا هاريس" صارت نائب الرئيس الأمريكي عام 2020. الهنود اليوم فعلاً يديرون أمريكا بالمعنى الحرفي للكلمة، وكما جاء في ذلك المقال، وفي مقال آخر بعنوان "الهنود قادمون" شرحتُ المعطيات، وربطت المقدمات بالنتائج.
في كتابي الأخير "الجيل الرابع لإدارة الأداء" شرحتُ أبعاد الأداء البشري تفصيلاً، وأوضحت ما يمكن أن ينتج عن انصهار: المواهب، والتعلم، والعمل الشاق، والشغف، في بوتقة واحدة. علماً بأن المواهب في تعريفي تشمل كل طاقات الشخصية الإيجابية، والتي تبرز منها في مجال القيادة سمات: الكاريزما، وضبط النفس، والرؤية، والتواصل الفعال، وروح المنافسة، والمثابرة، والوعي بالذات، وغيرها من السمات الإيجابية التي حصرت منها أكثر من 40 سمة.
قبل أسبوع تقريباً فوجئت بإعادة توزيع مقال "الهنود" عبر الواتساب. لم أكن أعرف من أيقظ المقال من سباته الإلكتروني وبثَّه من جديد، وبعد بحث لم يطل، عرفت أن قارئاً كريماً أعاد نشره بعد فوز البريطاني، الهندي الأصل "ريشي سوناك" بأكبر عدد من أصوات حزب المحافظين كمرشح أوَّل لرئاسة وزراء بريطانيا، وذلك بعد إبعاد "بوريس جونسون".
كنت بالفعل أتابع "سوناك" وصعوده الاستثنائي في مراتب السياسة البريطانية! فهذا الشاب الأسمر الطويل يتمتَّع بشخصية كاريزمية ساطعة، ومهارات تأثير لامعة، حتى أنه جذب وتزوج السيدة "أكشاتا ميرثي" الأكثر ثراءً من الملكة إليزابيث، لأنها ابنة "نارايانا ميرثي" مؤسِّس شركة "إنفوسيس Infosys" الهندية العملاقة!
لا تسمح هذه السردية السريعة بتعداد كل الأسباب التي تُرجح كفَّة "ريشي سوناك" على منافسته وزيرة الخارجية البريطانية "إليزابيث تراس" للفوز بزعامة حزب المحافظين، ومن ثم رئاسة الوزراء، فهذا الفوز يبدو مرجَّحاً استناداً إلى عناصر ومكوِّنات الأداء البشري ذاتها.
من الصعب أن تهزم الهنود في عدد ساعات العمل التي يمكن تكريسها يومياً وأسبوعياً، فهم يولدون كما يبدو وفي جيناتهم كروموسومات العمل الشاق. أتذكَّر أيام دراستي الجامعية أنني كنت أذهب إلى المكتبة في أيام الإجازات فأجدهم قد سبقوني، وكنت أغادر المكتبة في العاشرة مساءً وهم منكبُّون على مراجعهم وكأنهم جنود يحرسون الحدود، أو رهبان زاهدون يمارسون اليوجا في معابدهم القصيَّة المعلَّقة بالحبال على سفوح الجبال. لم أرهم أبداً يقضمون قطع الشوكولاته "مارس"، أو يجرشون شرائح البطاطا وهم يبحثون ويقرؤون، بل كانوا يتعلمون وكأنهم يعملون ويسابقون الزمن للتخرُّج بتفوُّق.
فأين تعلَّم وفيما تخصَّص الراهب السياسي "ريشي سوناك"؟ لم يدرس الفلسفة ولا السياسة ولا الاقتصاد في جامعة "أكسفورد" فقط، بل درس العلوم الثلاثة معاً! ومن السذاجة أن تسأل أحد أحفاد "غاندي" كيف فعل هذا؟ السؤال الصحيح هو: لماذا فعل هذا؟ ولماذا اختارته جامعة "ستانفورد" ومنحته فرصة الدراسة بالمجان ليكون واحداً من أنجح خرِّيجيها في القرن الـ21؟
نعم، الهنود قادمون ليقودوا العالم، وينافسوا الصين في آسيا، وأوروبا وأمريكا في عقر دارها، لأنهم كثيرون، ومكافحون، ومتعلِّمون، وأخلاقيون، وذكيون، ومتواضعون. وفي الذكاء والتواضع يكمن السر.