أعدادك المجانية

الرئيسية / المقالات

الفرق بين التدريب والتوجيه والتمَرُّس

بقلم : نسيم الصمادي 2019-10-27

يعمل إبني على تأليف كتاب في مجال عمله كمدرب معتمد من مؤسسة "جالوب". موضوع الكتاب هو التوجيه العميق Deep Coaching ويدعو إلى التحول -كما يقول- من التدريب إلى التنقيب Coaching to Coring وهذا هو العنوان الذي أطلقه على كتابه المنتظر. وقد لفت نظري إلى الارتباك القائم في ممارسات التنمية البشرية بسبب عدم التمييز، وعدم الاهتمام بالفرق بين الممارسات المختلفة في عالم التدريب بمعناه الواسع. ثم سألني أن أبحث عن أفضل تعريب يعكس المعنيين اللغوي والاصطلاحي للكلمة الإنجليزية Mentoring، والتي بدأت تشيع مؤخراً في الممارسات العربية للموارد البشرية، مع التأكيد على الفرق بينها وبين Training تدريب، وCoaching توجيه.
 
تذكَّرت مقالاً نشرته في موقعنا الريادي www.edara.com عام 2010 بعنوان: "التأصيل والتفصيل في تعريب لغة التدريب" كأوَّل محاولة عربية مقنَّنة للتفريق بين نمطين من التدريب والمدرِّبين هما: Trainer وCoach. أوضحت في ذلك المقال أن التدريب ليس مجرد تعليم وتوجيه جماعي، والتوجيه ليس مجرد تدريب فردي، لأن الاختلافات بين المفهومين تمتدُّ لتشمل أهداف واستراتيجيات ونتائج كلٍّ منهما.
 
محور التدريب هو المدرِّب، ويُستخدم لسد ثغرات معرفية ومهارية وفنية، ومحور التوجيه هو المتدرِّب (الموجَّه) بفتح الجيم، ويُستخدم لسدِّ ثغرات سلوكية وإدراكية بالدرجة الأولى. المدرِّب يوجِّه المتُدرِّبين ومعه منهاج تدريبي مُعدٌّ مسبقاً، ينقله لهم ويطبِّقه على مجالات عملهم وحياتهم، بينما يكتفي الموجِّه بإرشاد المتدرِّب ليساعده ويُشاركه في تطوير الحالة والمحتوى والمسار التدريبي أثناء عملية التوجيه، فهو يتركه يكتشف ويطوِّر ويتعلَّم ويغيِّر بنفسه.
 
ولأن اللغة العربية هي أغزر لغات العالم بالكلمات، وأثراها بالمعاني، فلم يكن لديَّ شك في أنها قادرة على التعبير عن كلِّ معنى يمكن لخيال الإنسان أن يَطالَه. تكتنز اللغةُ العربيةُ أكثر من 12 مليون كلمة، مقابل نصف مليون كلمة إنجليزية و150 ألف كلمة فرنسية و130 ألف كلمة روسية. وبالعودة إلى قواميس المعاني التي تُفهرِس المعنى وتسرِد الكلمات الدالة عليه، وليس العكس، أرى أن كلمة "تمَّرُس" هي الكلمة المناسبة الدالة على المعنيين الاصطلاحي والمهني لمفهوم Mentoring.
 
وعليه فإن الشخص الذي يتعلَّم ويخضع لعملية "التمرُّس" ليصبحَ ممارساً محترفاً وموثوقاً، هو بالاشتقاق اللغوي "ممرَّس" بتشديد وفتح الراء، وأنَّ من يُدرِّسه تلك العملية هو "مُمرِّس" بتشديد وكسر الراء، وهو لفظ شقيق ومُقارب في جَّرسِه وإيقاعه لكلمتي "مُدرِّس" و "مدرِّب"، لكنني أوثر وأفضِّل اعتماد "مُتمَرِّس" نظراً لشيوعها وبُعدها عن التغريب. المُتمرِّس Mentee هو من يُمارس التَمرُّس ليصبح فعالاً وصعب المِراس. أما المُمَرِّس Mentor -على وزن مدرس- فهو قائد عملية التمرس التي يمر بها المتمرس.
ولمزيد من التوضيح والتفريق بين الممارسات الثلاث، أقول بأنه من الضروري أن يكونَ المدربُ مُلمّاً بموضوعه معرفياً وفنياً ومهارياً؛ ويفضَّل أن يحملَ رُخص تدريب معتمدة تتلاقى مع تخصُّصات المتدرِّبين والموضوعات التي يدرِّبها. بينما ليس من الضروري أن يكون المُوجِّه Coach مُلمّاً بمجال وتخصُّص ونشاط عملائه ومتدرِّبيه، فهو يقودهم إلى وضع الأهداف واكتشاف المشكلات وابتكار الحلول من خلال عملية إجرائية مقنَّنة، وأدوات احترافية بحتة، ولهذا يبقى المدربُ مسؤولاً عملياً وأخلاقياً عن نجاح أو فشل متدرِّبيه، بينما يتحمَّل المتدرِّبُ أو الشخصُ الذي يتمُّ توجيهه مسؤولية الرؤية والقيم التي ينطلق منها، والأهداف التي يضعها، والثغرات التي يسدُّها، والخُطوات التي يتَّبعها، والقرارات التي يتخذها، والنتائج التي يحقِّقها، ولهذا تستمرُّ عملية التوجيه لأسابيع، وقد تطول أكثر وتمتدُّ لشهورٍ وسنوات.
 
في عملية "التمرُّس"، بالمقابل، يكون كلٌّ من المتمرِّس والمُمرِّس مسؤولَين بالتضامن عن نتائج ومُخرجات عملية التمرس، لأنهما زميلان يَعملان في ذات المجال، أو محترفان يعملان في نفس التخصص، مستهدِفَين حل مشكلات قائمة في بيئة العمل في الإطار المهني الذي يُمارسانه.
 
ونظراً لأهمية هذا الموضوع، ولإثراء قاموس العربية بمفاهيم واضحة، أرجو أن أتلقَّى آراءَكم وأفكارَكم وانعكاساتِ مشاعرِكم إزاء هذه المُصطلحات بتفاعلاتها ودلالاتها الجديدة. وللحديث بقية.

بقلم : نسيم الصمادي