ابني المتميز .. أنت لست متميزًا لأنك أفضل من غيرك، بل – فقط – لأنك لا تشبه أحدًا سواك، ولأنك مسؤول عن ترك بصمة جديدة وفريدة في هذا العالم، تختلف قليلاً أو كثيرًا عما تركه وسيتركه الآخرون؛ بمن فيهم أبوك وأخوك. لقد آليت على نفسي ألا أخاطبك محاضرًا، ولا أنصحك مبادرًا؛ لأن الأبناء – على العكس من البنات – لا يطربون كثيرًا لنصائح الآباء. أما وقد طلبت النصح، فإنني أبارك لك منصبك الجديد، معربًا عن فخري وسعادتي بك وأنت تحمل لقب مدير في شركة عالمية، وأنت في الثامنة والعشرين. لقد انتظر أبوك حتى الخامسة والثلاثين حتى نال هذا اللقب، بينما حملته أنت وأخواك وأنتم تراوحون ما بين الخامسة والعشرين، والثلاثين.
عندما أستعيد ذكريات المحطات التي عبرتها في رحلتي، أتذكر ذلك العام القصي، حينما اضطررت لحفظ كل كتبي عن ظهر قلب، طمعًا في التفوق والحصول على منحة دراسية تؤهلني لدخول الجامعة والتعلم على نفقة الدولة. بينما دخلت أنت واحدة من أغلى المدارس في العالم، لتمارس الرياضة، وتدرس، ثم تدخل الجامعة كلاعب رياضي يتمتع بامتيازات لم يكن من حق أبيك أن يحلم بها.
واليوم، وأنت تسلمني بطاقة أعمالك كمدير موهوب، أذكرك بأننا نبالغ كثيرًا في تقدير دور الموهبة في النجاح، لأن الموهبة وحدها لا تكفي. كما أن الشهادات واللغات لن تضيف إليك الكثير. فهناك في داخلنا وفي كيمياء عقولنا، طاقات كامنة قلما نستشعرها ونستثمرها. عندما ارتحلتُ طلبًا للعلم في أمريكا قبل ثلاثة عقود، كان أول سؤال طرحته على السائق "البورتوريكي" وهو ينقلني من المطار إلى الجامعة: "بم تنصحني؟" لقد كان كهلاً وقورًا، تراءت لي علامات الحكمة في مفارق شعره وبين عينيه. قال: "افتح مخك،" ولقد فعلت. كان أول كتاب قرأته: "كيف تنجح في أمريكا"؛ فصرت أعرف عن التاريخ والثقافة الأمريكية أكثر من بعض الأمريكيين. أنصحك بأن تفتح مخك، وتقرأ. اقرأ الصحيفة اليومية للمدينة التي تعيش فيها، ومجلة واحدة في تخصصك على الأقل، ثم كتب الإدارة والثقافة والفلسفة والاجتماع، مبتعدًا عن السياسة ما استطعت، ما دامت ليست جزءًا من مجالك واهتمامك.
وبما أنك تعمل في شركة دولية، فمن المجدي أن تتقن لغة ثالثة؛ فليس أروع ولا أبدع من أن تحادث مديريك ومورديك، وزملاءك وعملاءك، كلاً باللغة التي يحبها، لا باللغة التي يتقنها. وعندما تحادث بني جلدتك، فإياك أن تلوي لسانك بغير لغتك الأم. ولأن إتقان لغة ثالثة ليس هدفًا في ذاته، فليكن هدفك دائمًا أن تتعلم كيف تدير رؤساءك، وتبهج عملاءك.
من المهم أيضًا أن تبدأ يوم عملك مبكرًا. صل الفجر، ثم تمارين الصباح، وتناول إفطارك كاملاً، وادخل مكتبك قبل رئيسك ومرؤوسيك. بدء العمل مبكرًا ليس مجرد وقت إضافي، بل هو طاقة إضافية وتفكير إيجابي ومزاج متفاعل وأداء متدفق وإيقاع متفائل. عندما تسبق الآخرين بدقائق، فإنك تسبقهم إلى الحقائق؛ حقائق التقاط الفرص، وتوزيع الابتسامات، وطرح المبادرات. وكما علمتنا كتب إدارة الذات، فإن التفكير يتحول إلى سلوك، والسلوك يتحول إلى عادة، والعادة تتحول إلى فعل، والفعل يساوي "نتائج."
سألتني أيضًا عن رأيي في "ماجستير إدارة الأعمال"! ورأيي أن اللغة الثالثة أهم من الشهادة الثالثة، فالشركات وكل المنظمات تتوقع منا حلولاً ونتائج، لا شهادات ومصدقات واعتمادات. فالإنسان بما يفعل، وقيمة كل امرئ ما يحسن ويبدع ويجيد ويؤدي ويعطي. أنت تعرف أن "بل جيتس" يحمل دكتوراه فخرية دون البكالوريوس، وأن "ستيف جوبز" لم يمكث في كلية الهندسة سوى عام ونصف، لم يحصل خلاله على ساعة معتمدة واحدة، وقد ترك "مارك زوكربرج" صاحب "فيسبوك" جامعة "هارفارد" في عامه الأول، أما "ريتشارد برانسون" مؤسس مجموعة "فيرجن" فلم يكمل حتى دراسته الثانوية. وربما تعرف شركة "زارا" وصاحبها "أمانشيو أورتيجا"، الذي ترك المدرسة في السادسة عشرة ليعمل خياطًا في قرية أسبانية فقيرة، وهو اليوم رابع أغنى أثرياء العالم. فتجاهل الدراسات لتركز على الممارسات، وتخط الأقوال لتركز على الأفعال.
وختامًا، إياك أن تلعب بأوراق: "أنا الأذكى والأحلى والأغلى"؛ فالذين يظنون أنفسهم أذكياء، هم الأقل ذكاء. فالذكاء هو أن تعمل بجد وتتحدى نفسك أكثر من غيرك، وأن تعامل الناس كما يحبون أن يُعاملوا؛ فأذكى تعريف للذكاء هو: "أن تكون في المكان المناسب، في الوقت المناسب، بالتوجه الفكري المناسب، والاستعداد المناسب." هذا هو ذكاء التفرد بتجرد، وذكاء النجاح بالكفاح، وذكاء الجموح للطموح.